بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 30 أكتوبر 2011

الثلاثاء 25 أكتوبر 2011م.



اللبنانية لنا عبد الرحمن وحرب تموز فى مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية

استضاف مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية يوم الثلاثاء 25 أكتوبر الروائية اللبنانية لنا عبد الرحمن، حيث ناقش الناقدان د.لبنى إسماعيل وشوقى بدر يوسف روايتها "أغنية لمارغريت".
وقد أكدت الروائية اللبنانية لنا عبد الرحمن أنها تكتب عن الإنسان ومشاعره العميقة بصرف النظر عن جنسيته أو نوعه أو دينه، كما أنها تكتب عن الحرب اللبنانية للمرة الثانية فى أعمالها الروائية بالإضافة إلى عدد من القصص القصيرة نظرا لما لهذه الحرب من تأثير كبير على الحياة والتاريخ اللبنانى، ولما لها من تأثيرات اجتماعية ونفسية تستحق الرصد الإبداعى، وأنها حريصة فى كتابتها على إدانة الحرب بكل ما فيها من عنف ودمار لأنه حتى المنتصر فى الحرب مهزوم، مشيرة إلى أنها اختارت مارغريت دوراس الكاتبة الفرنسية لتكون شخصية أساسية تتشابك مع أبطال روايتها لما لمارغريت من بعد إنسانى عميق ككاتبة ولما لحياتها من الثراء بحيث كان هناك تقاطعات ما بين بطلة رواية أغنية لمارغريت (زينب) وحياة مارغريت دوراس من حيث فكرة الحرب وخذلان الجسد، كما أشارت إلى سعادتها بلقاء مبدعى ومثقفى الإسكندرية الذين كانت تعليقاتهم ومداخلاتهم إضاءة جديدة حول الرواية بالنسبة لها.
أشار الأديب منير عتيبة المشرف على المختبر أن لنا عبد الرحمن قاصة وروائية لبنانية تقيم بالقاهرة، وهى حاصلة على درجة الدكتوراة عن موضوع السيرة الذاتية في الرواية النسائية اللبنانية، وتعمل حاليا نائب رئيس التحرير  بجريدة "صوت البلد" المصرية، ومسئولة عن تحرير موقع ثقافي إلكتروني بعنوان "نقطة ضوء" www.n-dawa.com، صدر لها مجموعتان قصصيتان هما "أوهام شرقية" و"الموتى لا يكذبون"، كما أصدرت ثلاث روايات هى "حدائق السراب" و"تلامس" و"أغنية لمارغريت"، بالإضافة إلى كتاب "شاطئ آخر" الذى يشمل قراءات نقدية في الرواية العربية. وأضاف عتيبة أن رواية لنا عبد الرحمن الجديدة "أغنية لمارغريت" لعبة روائية بديعة تعيد الكاتبة من خلالها تشكيل الزمان بانتقالات محسوبة بدقة وإن بدت غير ذلك بين الماضى والحاضر، حيث يوجد داخل الماضى حاضر متخفٍ، وفى الحاضر ماض يطل برأسه، وكذلك انتقالات فى المكان بين لبنان وفرنسا وأماكن أخرى داخل كل منهما، والأهم ذلك التماهى والتضاد فى الوقت نفسه بين بطلة الشخصية وذاتها، وبينها وبين الكاتبة الفرنسية الشهيرة مارغريت دوراس، وذلك التداخل بين السيرة الذاتية للكاتبة والجزء الروائى من عملها وبين السيرة التى كتبها حبيب مارغريت دوراس عنها والمتخيل الروائى للنا عبد الرحمن عن هذه العلاقة، كما تستخدم الكاتبة تقنيات سردية عديدة منحت عملها جمالية خاصة ربما أهمها الرسائل (الإميل) وتيار الوعى المتمثل فى صيغة الاعتراف التى تتحدث بها الراوية، بالإضافة إلى الراوى الذى يبدو محايدا فى بعض فصول الرواية، مما جعل حكى الرواية موزعا على أكثر من سارد بما يوحى بالتعددية وإن كان فى التحليل النهائى تشظى ذات تعانى فى ظل حياة تنهار بسبب الحرب فى لبنان وتداعياتها على المجتمع وناسه.
وفى درستها المعنونة "حلقات العزلة والوجود في ”أغنية لمارغريت“:  الكاتب و القارئ ولعبة الاستغناء" قالت د.لبنى إسماعيل: في رواية "أغنية لمارجريت" تشارك لنا عبد الرحمن القارئ في انبهارها بفكرة الهوية أو التكوين: كيف ينسلخ المرء من دوائر التشكيل الأولي لكيانه الإنساني في رحلة استكشافية لذاته وسر وجوده في صخب حياتي تملؤه الأماكن والوجوه و... الأحلام، ليحقق في النهاية ذلك الشعور المنعش بالاستغناء؟ كيف تحتفظ الذاكرة بأسفار تكوينها وما سجلته الذاكرة عبر الزمن وتنتقل بحرية من دائرة حياتية لأخري دون الوقوع في هوة الخوف من العزلة، والتهميش، والتلاشي وفقدان الاتجاه التي تهدد رحلات الاستكشاف الأولي للذات من ناحية، و أسر الرغبة العارمة في الانفصال عن زخم الواقع الذي يهدد رحلات التقييم النهائية من ناحية أخري؟ كيف يقف المرء في البداية والنهاية علي حدود التماس بين الدوائر دون أن يقع في أسر دائرة بعينها؟ ليس هناك إجابة واضحة، بل وعد بإجابة لا تتحقق إلا بممارسة القارئ لعبة الاستغناء. تلك اللعبة التي يتقاسم أدوارها القارئ وبطلة الرواية في فعل قراءة إبداعي مواز يعاد فيه بناء النص المقروء تارة (الحكايات المتداخلة في النص وعلاقة الواحدة بالأخري)، و بناء النص المكتوب تارة أخري (الاستمتاع بحنكة السرد وجماليات البناء الفني للنص). تتطلب اللعبة؛ كما رسمتها لنا عبد الرحمن ثلاثة مستويات من السرد، أو ثالوث سردي يتكون أولا من خطابات أدبية الأسلوب والصور توجهها زينب بطلة الرواية عبر أوراق مبعثرة وملفات رقمية تخفيها في حاسوبها الآلي لشخص يان أندرية عشيق مارجريت ديوراس (الكاتبة الفرنسية الشهيرة التي أحبت يان وهي في الخامسة والستين وكان هو حينها في الثامنة والعشرين واستمرت علاقتهما لمدة خمسة عشر سنة حتي موت الكاتبة في 1996)، ثانيا عالم زينب اللبنانية الذي يقدمة لنا راو عليم يتجول معنا في مكنون نفس زينب وعلاقتها بأسرتها المكونة من أم وأخين يغلف التجاهل والانفصال والتحقير علاقتهم بزينب، ومعانتها الشخصية وأسئلتها الوجودية أثناء الحرب الأهلية بلبنان 2006 (حرب تموز)، ثالثا عالم مارغريت ديوراس في الشهور الأخيرة قبل موتها بالسرطان، و يقدمه لنا أيضا راو عليم يطلعنا علي عذابات مارجريت الشخصية ومحاولاتها التحكم في الزمن ومقاومة خذلان الجسد وتراكم الذكريات. و في محاولة للإمساك بتلابيب هذا الثالوث، والبحث عن فضاءات التلاقي، وجمع أشلاء المتشابهات، والنظر المتلاحق للعوالم السردية المختلفة من خلال العدسات السردية المتتالية (يان ثم زينب ثم مارجريت، ثم يان وزينب ومارجريت، وهكذا) يدخل القارئ لعبة الاستغناء: تتشرذم وتتفتت (مؤقتا) هويته وكينونته وألفته مع الزمن الحاضر (زمن القراءة) ليجد نفسه -في نفس الوقت– داخل وعلي التماس مع الدوائر المختلفة لشخوص الرواية. تتوازي رحلة الاستكشاف والبحث عن الإجابات تساؤلات المنثورة هنا وهناك حتي تتضح الرؤية، وينتقل القارئ والبطلة معا من حيز الخوف من العزله التي يفجرها -عادة- انعدام البصيرة، وحيرة الرؤي والأفكار إلي حيز التوقع، توقع تجسد ما تشبح من رؤي وأفكار. وتصبح أزمة التكوين والتشكيل (زينب) والتعامل مع تراكم التفاصل وطغيان الزمن (مارجريت) رحلة اكتشاف وفرحة الفهم بتجسد الغامض من المعاني والدلالات. ويكتشف القارئ وزينب كما اكتشفت مارجريت من قبلهما أنه لا عزلة بالكتابة (أو ما حدث هنا، إعادة الكتابة) ولا عزلة بوجود الآخر، أو بالأحري حلول الآخر في نسيج أفكارنا. قد تبدأ لعبة الاستغناء بالغرق المؤقت في التفاصيل، ثم الاحتراق في محنة الفهم، ولكنها دائما ما تنتهي، كما أرادت الكاتبة، بـ"نوع من المشاعر لم تعرفه من قبل... تورد جلدها مثل رغيف خبز خرج توا من الفرن وكما لو كان الذبول والحيرة، و الخوف، جلد متهرئ تقشر عن طبقاتها السطحية وظهر لها جلد جديد.. نضر ومشدود"
كما أشار الناقد شوقى بدر يوسف إلى أن (يمثل العنوان فى رواية "أغنية لمارغريت" شفرة وعلامة مهمة لها دلالاتها الخاصة تسكن جسم النص وتعبّر عن واقع ما تمثله الإيحاءات الأولية والتأويل فى أسم كبير كأسم مارجريت دوراس فى الساحة الأدبية الفرنسية، وفى حدث غرائبى وغير مألوف كما هو حادث فى صلب ونسيج هذه الرواية، كما يعتبر الإيحاء الوارد بمضمون العنوان فى حد ذاته نصا مختزلا يحوى قراءة مقطرة لواقع النص قبل الدخول إلى حيز التفاصيل، وقد جاء النص منذ الاستهلال الأول على هيئة مستويات سردية تحمل داخلها بنية فنية ثلاثية الأبعاد متداخلة ومتقاطعة، كل بعد فيها له توجهه الخاص، وله رؤيته، وأفكاره، وله طريقته ونسقه الخاص، استهلت الكاتبة النص بهذه الخطابات التى كانت ترسلها الكاتبة الساردة، أو زينب الشخصية الراوية فى الرواية إلى "يان أندريا" عشيق مارجريت دوراس الشاب، تسرد فيه تداعى خواطرها وهواجسها الذاتية نحو هذه التجربة، تجربة الكتابة عن مارجريت دوراس فاتنتها الأثيرة، وكاتبتها المفضلة، لقد رحلت مارجريت دوراس فى الثالث من  مارس 1996، وكان بجانبها وقت الرحيل عشيقها الشاب، ويتوزع الزمن بعد ذلك فى نسيج الرواية بين زمن الرحيل إلى زمن نشوب الحرب فى الجنوب اللبنانى بعد ذلك بأربعة أشهر، فى تموز من نفس العام، إلى زمن الساعة الآنية، إلى الزمن الداخلى فى شخصية زينب، وتبدأ الأسئلة تتلاحق فى ذهن وخواطر وهواجس الساردة حول هذه العلاقة الملتبسة التى قرأت عنها زينب خاصة فى كتاب يان  أندريا الذى كتبه عن علاقته بمارجريت دوراس والذى جاء تحت عنوان "هذا هو الحب" وهى المعنية بكل ما يدور حول مارجريت دوراس من أمور وأحوال وأدب وقراءات وغير ذلك، هذا بخلاف ما تفرضه وشائج المشاعر المتقاطعة والمتداخلة بين كاتبة مشهورة تعيش أواخر أيامها فى عزلة تامة مع عاشق شاب مبهور بها فى سن أبناءها، ارتبط بها فى علاقة غرائبية غير واضحة المعالم، وشابة تعيش أجواء الحرب فى زمن أخر تمنح هذه العلاقة اهتماماتها الذاتية كطرف مشارك فى عزلة الكاتبة الفرنسية وعشيقها الشاب "يان أندريا"، هى تستدعى من الذاكرة مارجريت دوراس الفتاة الصغيرة التى عاشت جزء كبير من حياتها فى كمبوديا، كما تستدعى أسرتها التى كانت معها فى ذلك الوقت والمكونة من الأم المتسلطة والتى تعمل معلمة فى إحدى المدارس وشقيقها الأكبر المنحرف والذى كان كثيرا ما يضربها ويعتدى عليها لأتفه الأسباب، وشقيقها الصغير الذى مات فى ظروف غامضة، وعشيقها الفتى الصينى الثرى فى رومانسيته المفرطة، وكأن الكاتبة الساردة هنا كانت تتقمص شخصية مارجريت دوراس فى هذه العلاقة، حيث ثمة تشابه بين شخصية زينب وشخصية الكاتبة الفرنسية، فى جوانب كثيرة لذلك هى تقول ل "يان أندريا" فى رسالتها الأولى التى جاءت فى الاستهلال الأول للنص ": أكتب بحثا عنك، وعن مارغريت دوراس التى وجدت مكانها فى الكتاب.. أكتب كى اكتشف ماهية علاقتى بها، وبك، إذ كثيرا ما فكرت: لماذا أحبتك مارغريت دوراس وعاشت معك حتى لحظاتها الأخيرة؟ ظللت قربها، تساعدها على الرحيل بهدوء، وظلت تحبك. ( الرواية ص 5)، أما البعد الثانى من النص فيكمن فى هذه المتواليات النصية المتضمنة لمشاهد واقعية لوقائع ما يجرى عن الحرب وأهوالها فى هذا الجزء، المتضمنة قصف العدو الأسرائيلى للضاحية الجنوبية والشرقية من بيروت، ومحاولة انتقال الأسرة من منزلها فى بئر العبد إلى مكان آمن فلم تجد سوى شقة الخال الذى لا يجئ إليها إلا أياما قليلة خلال العام، وتشاهد زينب نزوج عدد كبير من السكان من أماكن القتال، إلى أماكن جديدة تكون أكثر أمنا، خاصة فى الحدائق الواقعة أمام البناية التى يسكنها خالها، وتبدأ الأسرة فى التعامل مع الوضع الجديد، كل بطريقته،الأم وسطوتها الخاصة فى التحكم فى كل شئ، الأخ الكبير وسام، المنحرف هو الأخر، والأخ الأصغر سامر، الذى كانت زينب تعطيه عطفها واهتمامها الشئ الكثير، وتنشط الذاكرة عند زينب فى هذا المناخ المأزوم ، فكانت ما تراه زينب أمامها من النافذة، هى أجواء الحرب الفعلية، ومشاهد الناس الهاربين والمهجرين من مساكنهم والقابعين فى الطرقات والحدائق وأفنية المدارس فى خيام أقاموها فى هذا المناخ المأزوم والعالق به كل البشر فى هذه المنطقة ": حين فتحت زينب زجاج النافذة صباحا، كانت تراقب استمرار الحياة عن كثب. أبصرت خيام النازحين، وقطعا من ثيابهم معلقة على أغصان الشجر، امرأة تطبخ على بابور الكاز، وبنت صغيرة تبكى لأنها صارت ترى العالم بعين واحدة، ولا تقدر على لمسه لأن الحروق تملأ يديها". (الرواية ص 25).
وفى مداخلتها حول الرواية أشارت الأديبة منى عارف إلى أن تختلف خطوط الرواية: بااختلاف التنقلات السريعة بها تقاطعات ثلاث بنى عيها هذا النص: التقاطع الأول كان الرسائل... التقاطع الثانى هو الأحداث المعاصرة، المكان  فى بيت الصنايع، مع الأم .. والأخ... وتضفيرة  رائعة مع بطلة الرواية الآخرى "مارغريت"، فيأتى التقاطع الثالث، مكملاً لحالة إنسانية فريدة فى عزلتها تعرف الصمت تقترب من السكون ترى وجه الله شفافاً... مثل غلاله غيم، نقياً وبريئاً... فرحاً كما يكون الفرح، وهل يكفى الحلم فى زمن الحرب؟ 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق