بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 9 ديسمبر 2011

الثلاثاء 15 نوفمبر 2011 م .










فى مختبر السرديات.. الشارع السورى يضع نهاية رأس الرجل الكبير

نظم مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية بالتعاون مع مركز الحرية للإبداع بالإسكندرية يوم الثلاثاء 15 نوفمبر لقاء أدبيا لمناقشة رواية "رأس الرجل الكبير" للروائى السورى عدنان فرزات، حيث ناقش ثلاثة نقاد من أجيال مختلفة وهم الناقد شوقى بدر يوسف، ود.محمد عبد الحميد، والناقد محمد عطية محمود.
صرح الأديب منير عتيبة المشرف على المختبر أن عدنان فرزات روائى سورى بدأ حياته العملية بممارسة العمل الصحفى، ثم اتجه إلى كتابة النصوص الشعرية والنقد والكتابة الروائية دون أن يتخلى عن العمل بالصحافة فى سوريا والكويت، وله رواية بعنوان (جمر النكايات)، ورواية (رأس الرجل الكبير) هى روايته الثانية التى تعد تأريخا وتشريحا أدبيا لصعود الفساد وجذوره فى المجتمع السورى من خلال أحد أفراد الشعب الفقراء الذى يزور تاريخه ويبيعه من أجل الثراء، وتتنبأ الرواية فى نهايتها بوجوب انتفاضة الشعب ليستعيد حقه السليب. جدير بالذكر أن الروائى السورى عدنان فرزات هو شقيق رسام الكاريكاتير السورى الشهير على فرزات. مضيفا أن رواية فرزات بنهايتها المفتوحة على الفعل الجماعى تنتظر الشارع السورى ليكتب سطور هذه النهاية فى الأيام القادمة.
وفى دراسته المعنونة (رواية "رأس الرجل الكبير" للروائى السورى عدنان فرزات وأسئلة الرواية) تناول الناقد شوفى بدر يوسف العتبات النصية فى الرواية، وتقنياتها الفنية مشيرا إلى استخدام الكاتب لتقنية تيار الوعى، وشارحا لحبكة الرواية، موضحا أنه يغلب على الرواية النزعة الدائرية فى التناول، فقد بدأت أحداثها قبل النهاية بقليل، وسار فيها الكاتب فى تنامى زمنى متواتر، ووضع لأجزائها العشر عناوين جانبية تبدأ بعنوان "أسبوع الفقراء" وتنتهى بعنوان "التلويحة الأخيرة" وبين هذا وذاك تتكشف أحداث الرواية فى متواليات نصية تتوزع بحسب تنامى الحدث، وتحولات الحبكة، وتجليات المحكى والمروى منها، وموقف الشخصيات من الحدث والرؤية. وطبيعة الأسئلة المتداولة داخل نسيج النص، والمستوى الدلالى المتجذر فى العمق بحسب الواقعى والمتخيل. أشار شوقى بدر يوسف أيضا إلى أن وجهة النظر التركيبية للنص تنبع وتكمن فى استنطاق التاريخ سواء كان هذا التاريخ ذاتيا يخص الشخصية أو يخص من يتاجرون به، وتجسيد الكاتب لواقع الرؤية من خلال استخدامه لمحكيات ومرويات قد تستدعى التاريخ أو غيره من التيمات لبلورة المعنى المراد التعبير عنه، كما تكمن أيضا وجهة النظر البلاغية فيما يبدعه الكاتب فى لغة النص وفى التشبيهات التى تراكمت بكثرة فى جوانب عدة لتعطى فى بنيتها دلالات لكل ما يحكى ويروى، كما تعطى المحكيات والمرويات المتقاطعة فى كل جزء من متواليات النص بعدا ربما يبتعد بعضها عن الخط الأساسى ولكن يربطه بهذا الخط خيط رفيع غير مرأى ولكنه محسوس ينبع من طبيعة الشخصيات، والمحكيات والمرويات داخل الأحداث، كما احتفى الكاتب بالوصف، والتدقيق فى استخدام الشخصيات واستدعاء مكوناتها وجذورها الأصلية نجد ذلك فى جميع الشخصيات الفاعلة داخل النص، حيث يعود الكاتب إلى أصول كل شخصية بتفاصيل ربما يكون بعضها غير مرغوب فيه، ليدلل على طبيعة ما ترفده من أعمال وممارسات خاصة. كما استخدم الكاتب أيضا التكنيك السينمائى فى التنقل بين المشاهد المختلفة للرواية وهو ما سنراه فى تقاطعات وتداخلات المشاهد المختلفة على مستوى النص ومتوالياته، كما استخدم الفلاش باك والمونولوج الداخلى وتقنية تيار الوعى لحاجة اسئلة النص إلى مثل هذه التقنيات لبلورة أبعادها وجوانبها المختلفة. ولما كان الكاتب قادما من عالم الشعر إلى عالم الرواية نجد انعكاس ذلك على  اللغة الشاعرية المتواجدة بإلحاح شديد فى نسق الرواية استخدمها الكاتب ليعبر من خلالها على تجليات الرؤية ومعادلها الموضوعى الكاشف عن رومانسية البحث عن العدالة والحرية والحب، والتصدى للفساد من خلال شخصيات تتأرجح ما بين المثالية والواقعية فى محددات الأمور.كما تناول شوقى بدر يوسف أيضا البعد السياسى ورؤية القادم الآخر فى الرواية، مؤكدا أن التلويحة الأخيرة، وهو عنوان آخر فصول الرواية  (هى المتوالية الأخيرة للنص، هى بؤرة التحليل والتحفيز لواقع النص بجوانبه المختلفة فيها تصل الأمور داخل كل الشخصيات إلى طريق مسدود بعد أن كانت الأمور ساحة واسعة رحبة، "..ركن صهيب سيارته عند باب الكراج، كانت أصوات الناس التى سمعها، وهو فى طريق عودته إلى البيت تدوّى فى أذنيه مخلفة رعبا عظيما.."، كانت أصداء الحرية لا زالت تدوى فى الشوارع والأزقة داخل حلب الشهباء، دخل صهيب غرفته التى كانت على اتساعها أصغر من غرفته القديمة وأفقر، فتح الخزانة السرية التى يضع فيها رأس التمثال وأخرجه وهو يتأمله وبدأ حوار داخلى مع النفس يتفاقم حول الثروة والمال والفساد والخوف والترقب، وأمسك صهيب التمثال بأيدى مرتجفة وأحس بوهن شديد ينتابه وراح يتصبب من العرق، و":فجأة انفتح باب الغرفة بعد طرقات عاجلة ومرتبكة. فزع صهيب وشهق بهلع كمن ابتلع قطعة نقود، فارتجف جسده كله، وسقط التمثال على الأرضية المرمر الفاصلة بين السجاد والحائط وتناثرت هيبته. كان الخادم يقف عند الباب مذعورا: "لقد وصلوا إلى هنا ياسيدى").
ويقول د.محمد عبد الحميد فى دراستة (حركة الزمن و استطالة السرد قراءة فى رواية "رأس الرجل الكبير" للأديب عدنان فرزات): تمنح هذه الرواية متعة من نوع خاص فهى من ناحية تثير إشكاليات وتقدم أسئلة دون أن تجيب على معظمها، ومن ناحية أخرى تلفت القارىء إليها من حيث بنائها الفنى واستخدام المؤلف فيها بعض التقنيات الروائية الحديثة، خاصة فيما يتصل بعنصر الزمن . فالكاتب الـذى يتعرض لنمط من أنماط الشخوص الإنسانية الذى يمثل فى نفسه إشكالية من نوع خاص  حينما يقدمه لنا بوصفه نتيجة طبيعية لمن وقع أسير الصراع النفسي ما بين ثروته التى كونها على حساب تزوير التاريخ من مصدر مشبوه ، وبين يقظة ضميره كل حين ، ثم عمده إلى اصطناع مسلك خاص يتوهم أنه يطهر به نفسه ، ويسكن ضميره حينما ينزل إلى مدينة حلب القديمة ، وحيها الفقير الذى كان يسكن فيه زمن فقره القديم ليمثل دورا عجيبا حينما يقضى بينهم كـل عـام أسبوعـا يعايشهم فيه ويغدق على فقرائه فيما سماه (أسبوع الفقراء) . وبهذا المسلك يحاول واهما تسكين آلالام الضمير مؤكدا  ـ أى المؤلف ـ أو قل السارد العليم، أن ذلك النموذج البشرى الذى يتواجد فى حياتنا الآن هو أمشاج مختلفة ما بين خير وشر، تاركا للقارىء الحكم عليه. وهنا يلعب السارد العليم دورين متوازيين، أحدهما دور إخبارى تعريفى بالشخوص والخلفيات التاريخية والإجتماعية لها، والدور الثانى هو دور السارد المعلق المحايد على الأحداث فى لحظات تناميها وارتفاع بؤرة صراعها الدرامى.
وهذا ما دفع الراوى إلى الإفادة من تقنية الزمن، فمرة يكثر من الإسترجاعات لذكر الخلفيات القديمة للشخوص والأحداث، وأخرى يصطنع الإستباقات حتى يمسك بتلابيب سرده ويهيمن على القصة التى يحكيها لقارئه. كما يلحظ القارىء فى إيقاع الزمن بالرواية حركتين أخريين إحداهما بطيئة وذلك بتوقيف السرد أحيانا وتقديم لوحات وصفية غاية فى الجمالية يشخص فيها المكان والزمان، ويصف الشخوص وصفا حسيا ويصف أيضا المعنويات والأحاسيس وصفا تجسيديا. كما يقوم المونولوج الداخلى بدور فاعل أيضا فى ضبط حركة إيقاع القص وتهدئتها، وكان المونولوج تقنية رئيسة أحسن الراوى توظيفها لكشف الصراع الداخلى الذى يعانيه البطل فى لحظات تنقيبه عن رأس الرجل الكبير أو تزويره لها. كما حاول إسراع حركة الزمن خاصة فى الفصل الثانى، الذى كان ذا نكهة بوليسية تتسارع فيها الأنفاس حينما كاد أن يقترب من الوقوع على الكنز التاريخى. غير أن الرواية قد حفلت بعديد من القصص الفرعية التى جعلت السرد متضخما فى بعض جنبات الرواية تحتاج إلى إحكام ربطها بالقصة الأم حتى تتحقق العضوية الروائية وتتخلص الرواية عندئذ من بعض الاستطالات السردية. غير أن اللغة التى كانت واحدة من عناصر جمالية الرواية امتازت بشاعرية رائقة، خاصة فى تعليق السارد أو فى اللوحات الوصفية وهى لغة تكشف عن مقدرة أدبية لها مذاقها الخاص. وتستطيع بما فتحه لك المؤلف من أبواب التأويل أن تتفق أو تختلف مع بعض شخوصها  ندين بعضهم أو نتعاطف مع البعض الآخر غير أن المؤلف لم يكن بعيدا على أية حال من قضايا بعينها يلمح إليها فى إشارات سريعة كإرهاصه بالثورة العربية والسورية، و إعطائنا تنبيها لخطورة العبث بتاريخنا الذى يشكل وجودنا وشخصيتنا. إنها رواية ذات بطل إشكالى، و لغة شعرية، وبنية فنية لافتة تغري بقراءتها مرة و مرة.
وفى دراسته (يوتوبيا التطهر، وزخم المكان في رواية "رأس الرجل الكبير") أكد الناقد محمد عطية محمود أنه فى رواية رأس الرجل الكبير ثمة ارتباط بين العودة إلى مرافيء الروح المتمثلة في نزعتها الإنسانية المتطلعة إلى التطهر، وإن كان ظاهريا ً، وبين المكان بما تمثله أبعاده الجغرافية والتاريخية الضاربة في عمق وطن تختلط فيه شجونه وآليات مفرداته الدالة على مدى الارتباط، ومن ثم الولوج فيه كمتكأ روحاني/ مادي تستند إليه قدرة الكاتب والروائي على إماطة اللثام عن بعض الحقائق الثابتة والموروثة والمزيَّفة على حد السواء، سعيا ً نحو الكشف عن مخبوء ذاك التاريخ وذاك المكان، وتلك النفس البشرية التي يسعى النص الروائي حثيثا ً لاستبطان مشاعرها، وتجسيد محاولات عودتها إلى فطرتها السليمة التي جُبِلت عليها، أو ربما محاولة تطهرها، من خلال صنع عالم خاص من اليوتوبيا التي تأخذ في أحد سماتها هذا البعد غير الممكن تحقيقه، لتغيير وضع المكان الشائه، بعد المرور بإحداثيات وجودها عبر عنصري الزمان والمكان كعنصرين متلازمين ومتداخلين يفرزان حتما ً نوعا ً من التكامل بين جغرافية المكان وتاريخه من ناحية، وبين الذات التي تحاول إحياء ذكرى طقوس تطورها على أنقاض جغرافيتها وتاريخها الخاص الذي يرتبط بالتاريخ العام للوطن/ المكان الذي تتحرك عليه ومن خلال رموزه المكانية والتاريخية المرتبطة بأحداث النص الروائي، ومن ثم محاولة تبرير تلك النزعة إلى التطهر بالعودة إلى الروح الكامنة بالنفس والمكان معا ً، والتي تأبى أن تمر تلك الإحداثيات والفعاليات دونما العودة إلى جذورها وحقائقها المروِّعة التي تحاول نزع القناع عن الوجه الزائف لتلك السيرة والشخصية، أو النتيجة التي قد تبدو طبيعية في ظاهرها، غير طبيعية بالمرة تبعا ً لما أفرزه جوهرها، وأدى إليه، ربما  بالمراوحة بين جلد الذات، ومحاولة التماس الأعذار أو التبريرات.. تلك هي الإشكالية التي يمكن الولوج إليها من خلال النص الروائي، الذي يفتتحه سارده، بالحكي عن المسرود عنه، أو شخص النص الرئيس الذي تدور كل الفعاليات من خلاله وبداخله، وحوله من خلال الارتباط ببعض الشخوص والعلامات، ومن خلال جذر أصيل في متن الحياة/ النص، وهو المكان الذي يعود إليه بعد صناعة عالم جديد مغاير خاص، ليصير المكان بمفرداته وسماته الثابتة والمتغيرة معا محرِّضا ً على التطهر، وذلك بالعودة إلى نقطة البداية، ومن ثم محاولة الالتحام بالفئات التحتية للمجتمع، والتي خرج منها وعلى أنقاضها، ليعود ملتحفا بثرائه وإحداثيات وجوده الجديد من الداخل في علاقة تقابل مستمرة بين ما يحويه الداخل ونقيضه الذي يمثله الخارج، وذلك من خلال قناع جديد مغاير..
حظيت الرواية بقراءة متعمقة من عدد من مبدعى ونقاد الإسكندرية والعراق الذين حضروا اللقاء وأبدوا ملاحظات ومداخلات أثارت اهتمام الكاتب للغاية، ومنهم د.ثائر العذارى، أحمد حميدة، عبد الفتاح مرسى، سهير شكرى، منى عارف، الشربينى المهندس، عبد المنعم سالم، انتصار عبد المنعم، رمزى بهى الدين وغيرهم.


واقرأ ايضا في تغطية الندوة : 


http://www.middle-east-online.com/?id=120595



                                                             عودة 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق