بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 27 ديسمبر 2011

نجيب محفوظ .. رائد السينما الشعبية بقلم: فيفيان محمود


نجيب محفوظ .. رائد السينما الشعبية
بقلم: فيفيان محمود

- خلال عدة أيام أعدت مشاهدة أربعة أفلام شارك فيها الأديب نجيب محفوظ بكتابة السيناريو وهي " ريا وسكينة " سنة 1953 عن تحقيق صحفي للطفي عثمان وبمشاركة المخرج صلاح أبو سيف ، والثاني " جعلوني مجرما " وكان ترتيب اسمه كاسيناريست الأول يليه السيد بدير ثم مخرج الفيلم عاطف سالم ، والثالث " درب المهابيل " عن قصته وشاركه السيناريو مخرج الفيلم توفيق صالح والحوار للأديب عبد الحميد جودة السحار وأخيرا الفتوة عن قصة لمحمود صبحي وفريد شوقي وجاء ترتيب محفوظ رقم 3 كسيناريست يسبقه أسم صاحب القصة والسيد بدير ويليه المخرج صلاح ابو سيف
- وجمع السيد بدير بين ثلاثة أفلام كحوار لها ويكاد يكون صاحب النصيب الأكبر لحوار سيناريوهات نجيب محفوظ فقد تعدي الـ12 فيلما أغلبها في فترة الخمسينيات وآخرهم عام 1978 وكان إعادة  لفيلم "لك يوم يا ظالم" بعنوان " المجرم " لحسن يوسف وشمس البارودي ومحمد عوض وأمينة رزق ولنفس المخرج أيضا صلاح ابو سيف من مجمل 30 فيلما قدمهم محفوظ للفن السابع كسيناريست أو كصاحب إعداد للقصة السينمائية .
- ونعود لمشاهدة الأفلام الأربعة فقد استمتعت بمشاهدتها من جديد وكنت قد نسيت الكثير من أحداثها وخاصة فيلم جعلوني مجرما لفريد شوقي وهدي سلطان والفذه نجمة إبراهيم وللحق كنت أمام سينما تحترم مشاهدها وتقدر ذكاءه من حيث البناء الدرامي وتطور الأحداث انتهاء باختيار المواضيع وللحق أيضا أضاف نجيب محفوظ الكثير للسينما المصرية كسيناريست " ناهيك عن أن هذه الافلام الأربعة كانت في بداياته قبل أن يتمكن من الحرفية " مما يؤكد أنه مبدع وبالفعل أبدع عددا لا يستهان به في عالم السينما واستحق منا أن نقف عندها ونفتش فيها لربما اكتشفنا جديدا على ما تم اكتشافه وتحليله من قبل.
- ولنعد إلى إسهاماته ودوره وتأثيره من خلال هذه المجموعة من الأفلام التى يجمعها عامل مشترك ميز سينما نجيب محفوظ ألا وهي البيئة الشعبية فهذه الأفلام الأربعة تدور داخل الحوارى والأزقة وفيها انحاز محفوظ للطبقة المتوسطة والفقيرة وهذا كان طابعه سواء كسيناريست لها أو كأفلام منقولة عن رواياته.
- فهو أصلا من أسرة متوسطة في حي الحسين ومن هذا الحي الشعبي والتاريخي الذي ولد فيه كان إحساسه العالى بهذه البيئة والتى منها أيضا استوحي روايات مثل خان الخليلي وزقاق المدق وبين القصرين فكلها أسماء لحوارى ضيقة داخل حي الحسين.
- وفي رأيي يرجع اهتمام محفوظ بهذه البيئة الشعبية في أفلامه إلى عدة عوامل :
- أولها :- نشأته في حي الجمالية أحد أحياء منطقة الحسين الشهيرة بمدينة القاهرة والتى ألهمته الإلمام بمعالم هذه الحياة وأدق تفاصيلها سواء في أفلامه أو رواايته كما سبق القول ولذلك عندما طلب منه صلاح أبو سيف أن يجرب نفسه في كتابة السيناريو بناءً على وضوح الصورة وتفكير محفوظ بها عبر الكتابة لرواياته فكر محفوظ فى الاستفادة من واقعنا المحلى وخاصة أن السينما حينذاك كانت تعتمد اعتمادا كليا على الاقتباس من السينما العالمية سواء افلام أو روايات وهو ما حرك نجيب للبحث عن سينما مغايرة تنم عن واقعنا المحلى وعن مشاكلنا وتكون ذات طبيعة مصرية خالصة فكانت البيئة الشعبية وكانت البداية مع المنتقم ولك يوم يا ظالم وصولا إلى باقي أفلامه وعندها وجد صلاح أبو سيف نفسه أمام سينما جديدة تلعب على وتر موجود لديه بالفعل سمي فيما بعد بالواقعية ورأي إمكانيات إبداعية لنجيب محفوظ تجاه فن السيناريو بحس المخرج وعلمه أصول هذه المهنة وهو بدوره اجتهد فيها وعلم نفسه ناهيك عن سبب دفين داخل نجيب محفوظ وجد هوي في نفسه لهذا المجال وهو حبه منذ الصغر لفن السحر ومداومته على مشاهدة السينما الصامتة صغيرا وقد حكي ذلك بالتفصيل للكاتب رجاء النقاش(1) عندما سأله عن علاقته بالسينما فرد قائلاً " بدأت علاقتي بالسينما في سن مبكرة جدا كنت لا أزال في الخامسة من عمرى عندما دخلت سينما الكلوب المصري في خان جعفر المقابل لمسجد سيدنا الحسين ومنذ اللحظة الاولى عشقت السينما وكنت أتمني أن أمضي اليوم كله داخل دار العرض وتمنيت لو أنني أسكن في دار عرض سينمائي فلا أخرج منها أبدا "
وهذا الرد فيه الإجابة على إجادة نجيب محفوظ لمجال السيناريو وارتباطه بهذا الفن وإبداعه فيه على مدار 30 فيلما حملت ثلاثة أعمال فقط قصته بالإضافة إلى السيناريو وهي درب المهابيل والوحش وفتوات الحسنية والباقي 27 فيلما أعد لأغلبها السيناريو عن روايات وأفكار غيره أو ساهم في إعداد القصة السينمائية لها.
 - ونعود لسينما محفوظ المغايرة لنوعية أفلام فترة الخمسينيات وتغييره لمفهومها ونمطها بمواضيع جديدة من داخل الحارات المصرية فأضاف بهذا الاختيار مفهوما جديدا لفن السينما يعتمد على واقع محلى وجد رد فعل من المهتمين بهذا الفن وصدي متأخر لدي المشاهدين الذين اعتادوا صورا منقولة عن السينما العالمية وتدريجيا تم التجاوب مع السينما النابعة من همومهم والتفت المخرجون لهذا الواقع الجديد النابع من الحارة وسوق الخضار والأحياء الفقيرة وكان نجيب سباقاً لإلمامه بهذه البيئة الشعبية ووقوفه على كل كبيرة وصغيرة منها حيث أنه يكتب عن واقع  عايشه أو كان شاهداً عليه فكانت النتيجة أفلاما مصرية 100×100 نابعة من أرضها وأبطالها يعيشون ويتنفسون هواءها وبذلك أغلق باب الاقتباس أمام كتاب ومخرجي السينما وبدأوا يتجهون إلى الواقع المصري والبحث عن مشاكله وهمومه.
- ونعود لسمات السينما الشعبية لنجيب محفوظ وأول ما يميزها " المكان " وهو الحارة في درب المهابيل وجعلوني مجرما بالإضافة إلى أحياء القاهرة القديمة مسرح أحداث تعليم أطفال الشوارع السرقة لنفس الفيلم وكان السوق هو المكان في الفتوه وفي ريا وسكينة كان حي اللبان وزنقة الستات بالإسكندرية .
- وفي رأيي من يريد أن يتعرف على الحارة المصرية القديمة بعد اندثارها نتيجة العمران وأطباق الدش ووصلاته وقهاوى النت كافيه التى حلت مكان القهوة البلدي عليه أن يشاهد فيلم " درب المهابيل " ويري الحارة على أصولها حيث مع نور الشمس تبدأ الدكاكين في فتح أبوابها طه العجلاتي يفتح محل الأسطي عمارة وبجواره محل فول بالهنا الشفا وعلى بعد منه عطارة الحاج عزوز وعلى بعد منها محل الموبيليا لعرض الأسرة النحاس ونسمع أصوات الباعة الجائلين في الخلفية ينادون على الطماطم والبطاطس والأسبتة تتدلي من الشرفات لشراء الطلبات مع ظهور المجذوب قفه وخلفه الأطفال منطلقين من الكتاب يجرون ورائه ويهللون مع رش المياه من السطل أمام الدكاكين انتظارا لجلب الرزق وقدوم الزبائن
- صور ثرية جدا ومتكاملة ولا يستطيع رصدها إلا من عاشها واختلط بناسها
- فالحارة هنا صورة حية وواقعية من المجتمع المصري حيث رأيناها في سكونها وفي صراعها وتربص كل فرد منها بالآخر خوفا منه لاستحواذه على المجذوب قفه وفوزه بالأف جنيها.
- ولاحظ أن حارة درب المهابيل هي المكان الرئيسي والوحيد لأحداث الفيلم كلها
- وفي حارة فيلم " جعلوني مجرما " نجد صورة أخري للحارة ولنتذكر مرور الشيخ حسن ( يحي شاهين ) على أهل حارته من بقال وتأكيده عليه لحضور عقد قران ابنته للمكوجي وطلبه منه التدخل لحل مشكلة ما للبان والسؤال عن أحواله صورة تظهر مدي الحميمية بين أهل الحارة وهو ما افتقدناه في هذا الزمن بحيث أصبحت هذه السلوكيات ذكري لانشغال الكل بالجري وراء مارثون ارتفاع الأسعار يوما عن يوم.
إنها صورة حية لحارات حي الحسين تمثل صورة مصغرة للمجتمع تظهر عيوبه ومزاياه وللعالم إن جاز لنا هذا التشبيه.
ولنتذكر أيضا المستوقد بيت المعلمة دواهي في نفس الفيلم القابع في منطقة القلعة المهجورة حينذاك حيث السلم الخشبي والشبابيك تتوسط السقف منها للسماء وعنابر نوم الأطفال مغطاه بالكليم والمكان كله يعج بالمسروقات من شماسي إلى شنط السيدات إلى عجلات السيارات ولاشك أن لمخرج العمل دور أيضا في هذه الصورة.
- أما فيلم الفتوة فكان السوق هو مسرح الأحداث الرئيسي حيث نجد أمامنا هذه الصورة عند دخول هريدي عمران للسوق أول مرة .. عربات الكارو محملة بالخضار والبائعون ينادون وآخرون يغنون ومحلات يتدلي منها أسبتة شراء الخضار وحمالون ينقلون أقفاص الخضار والفاكهة ومزادات البيع وحولها التجار وحركة الشراء مستمرة والكادر ملئ بالحركة لا يهدأ وللمخرج دور أيضا هنا.
- مسرح لطبقة كادحة ومنسية من شرائح المجتمع لناس تجري على رزقها يوما بيوم وسط ذئاب تستحل حاجتهم وتدوس عليهم وتتحكم في رزقهم بغض النظر عن رمزية السوق للسلطة وتقلبها ما بين العدل والظلم والشهامة التى بدأ منها هريدي والندالة التى انتهي إليها.
هذه هي البيئة الشعبية التى انحاز اليها نجيب محفوظ في أفلامه وعشقها ودافع عنها.
 تلك الطبقة التى كان الكثيرون مشغولين عنها إلى أن لفت الأنظار إليها.
-       وفي ريا وسكينة كان المكان حي اللبان وزنقة الستات بتفاصيل تنقل الإسكندرية فى الأربعينيات من الأزقة الضيقة للحارات المليئة بحركة البشر والضفائر الطويلة للبنات والملابس المحتشمة.
-       ناهيك عن بيت ريا وسكينة وظهوره بهذه التفاصيل التى تضفى جوا من الرهبة والتوحش بدءً من السلم الخشبى الموصل للدور الثانى حيث حجرة ابنتها بسيمة بالسرير المفروش بملاءة كاروهات والعفش المتواضع للحجرة وفى الأسفل طاسة البخور النحاس التى تتوسط المدخل وصينية القلل النحاس والشبابيك المفتوحة على الحارة، كلها تفاصيل تضفى واقعية على الفيلم وتقرب الصورة للذهن.
-       وفى رأيى الخاص أن صلاح أبو سيف الذى لقب برائد الواقعية فى السينما المصرية يرجع لنجيب محفوظ دور كبير فى هذا اللقب حيث قدما معا 12 فيلما سينمائيا سواء كان محفوظ سيناريست لها أو صاحب القصة أو منقولة عن رواياته كفيلم بداية ونهاية.
-       ونرجع للمكان فى سينما نجيب محفوظ والذى لا يقل أهمية عن شخصياته.
-       فأنت تشعر عند مشاهدتك لتلك الأفلام بأنك تسمع أصوات ساكنى هذا المكان وتعرف طريقة حياتهم من خلال تفاصيل صغيرة لا يدركها غير شخص له عيون ثاقبة كالهدهد يبحث عن أسرار لا يعرفها غيره ويسجلها فى مشاهد بطبيعية وسلاسة مع حوار للسيد بدير الذى ينطقها بلغتها الحقيقية كما فى ريا وسكينة والفتوة.
-       وعن المكان فى سينما نجيب محفوظ يؤكد السيناريست محسن زايد رحمة الله عليه فى حديث له بجريدة الحياة اللندنية (24 يوليو 1991) قائلا نجيب محفوظ بارع فى تصوير المكان الذى يعتبر بطلا لمعظم أعماله وتكاد تشم عبق المكان الذى يصفه.
-       فالمكان عنصر له أهمية كبرى وأولويه منه يبدأ وإليه ينتهى كالدائرة كله يسلم بعضه.
-       فى درب المهابيل بدأنا بالحارة وبحركتها المعتادة صباحا وانتهينا إليها بنفس المشهد.
-       وفى السوق كانت بداية هريدى عمران فى فيلم الفتوة حيث دخله حافيا ووصل منه إلى البكوية وانتهى داخل السوق بعد أن خسر وعاد إلى نقطة الصفر .
-       وسلطان شريف فى جعلونى مجرما بدأ من الحارة إلى الإصلاحية وخرج من الإصلاحية للحارة التى شهدت نهايته داخل الجامع الكائن بها بالقبض عليه وتسليمه للعدالة.
-       وريا وسكينة بدأ من بيت بحى اللبان بجوار قسم يحمل نفس الاسم وانتهيا داخل هذا البيت بالقبض عليهما فى السرداب الذى دفنا فيه جميع ضحاياهم وكأنه قد كتب على أبطاله أن يعيشوا ويموتوا فى نفس المكان الذى شهد بدايتهم.
-       وكما كانت البيئة الشعبية هى القاسم المشترك لمعظم أعمال نجيب محفوظ فمن الطبيعى أن يكون أبطاله نتاج هذه البيئة .. ابطال شعبيون.
-       ولنتذكر المجذوب قفه فى درب المهابيل ورسمه لهذه الشخصية من ملابسه المرقعة وكم السبح المعلقة على صدره وطريقة كلامه انتهاء بالعنزه التى تصاحبه كظله ولنسترجع شخصية شيخ الكتاب التى جسدها المخرج المسرحى (سعد أردش) وحركة شمة للنشوق وعطسه ونعود لطفولة نجيب وذهابه لكتاب الشيخ بحيرى الذى كان يقع فى حارة الكبابجى بالقرب من درب قرمز وأكيد أخذ محفوظ الكثير من الشيخ البحيرى لشيخ درب المهابيل .
-       ونصل إلى بطلنا طه العجلاتى وبنطلونه المرقع وقميصه الذى أكل عليه الدهر وشرب والذى يعمل مقابل ثلاثة  شلنات عند المعلم عمارة ويدخر منها وكله أمل أن يلم شمله على خديجة بنت المعلم عزوز العطار.
-       وهريدى عمران فى الفتوة الهارب من فقر الصعيد ليدخل إلى عالم متصارع يتحكم فيه شخص واحد فى أرزاق هذا الجمع الغفير فى السوق وهو لا يملك سوى عافيته وملابسه التى عليه.
-       ورأينا تطور شخصيته بدء من شده لعربات الخضار مكان الحمار زعتر إلى ركوب السيارة عندما تغلب على أبو زيد وأخذ البكوية ثم عودته إلى البداية من جديد وكل ذلك فى لوكيشن واحد وهو السوق.
-       ونصل إلى ريا وسكينه فى الفيلم الذى حمل اسمهما وحقق نجاحا جماهيريا كبيرا فى ذلك الوقت ويعد البداية الحقيقية لنجيب محفوظ كسينارست شرب الصنعة ووضع يديه على سلم الاحتراف لهذا الفن.
-       ولقد شد انتباهى فى فيلم ريا وسكينة رسم شخصياتهما من طريقة اللبس ملابس بسفرة عادية جداً ولم يصبغا شعرهما بالأصفر كالنجوم ولم يقلما أظافرهما ولا هما بمكياج يظهر أنثوتهما بل على طبيعتهما وعلى رأسيهما المنديل أبو أويا ولنتذكره وهو معقود من الأمام أعلى رأس ريا...
-       شخصيات على طبيعتها كما تم وصفها فى التحقيق الصحفى وهو ما حافظ عليه نجيب فى رسمه لهما وأكده صلاح ابو سيف فى إخراجه والتزمت به كل من نجمة إبراهيم وزوزو حمدى الحكيم فكنا أمام هذا الكم من الطبيعية وكأننا أمام ريا وسكينة الحقيقيين من كثرة ما شاهدناه منهما على الشاشة وهنا تحضرنى مقولة للسينارست محسن زايد من نفس المصدر السابق يؤكد على هذا المعنى عندما قال نجيب محفوظ بارع فى رسم الشخصيات التى يصورها لدرجة أنها تكاد تنطق بذاتها وليس بما يريد أن يقوله الكاتب ويصبح صوتها من داخلها وليس من لسان الكاتب.
-       وأخيرا وليس بآخر نصل إلى شخصية سلطان فى فيلم جعلونى مجرما والذى ولد نتيجة زواج عرفى واستولى عمه على ميراثه لعدم اعتراف القانون بشرعيته ودخوله إصلاحية الأحداث وعندما خرج منها رفضه المجتمع لهذه السقطة ونبذه ليعود إلى طريق الإجرام من جديد.
-       شخصية حققت نجاحا مدويا عند عرضها وارتبطت بها الجماهير وتعاطفوا معها ضد قسوة القانون الذى كان من الممكن أن يسقط هذه السابقة عن سلطان ويغلق أمامه باب الإجرام.
-       ولاحظ تطور شخصية سلطان وتحولها تدريجيا نحو الجريمة يخطوات مقنعة فلم نجده بين مشهد وآخر وقد تحول إلى نشال بل سبقته مقدمات كثيرة ساقته لهذا المصير.
-       ومما سبق نجد أننا أمام شخصيات عادية من قلب المجتمع تتحدث عن أناس نعرفهم ونتقابل معهم مما يجعلنا نرتبط بهم ونشعر معهم بالألفة.
-       فمن منا لم يتعامل مع عجلاتى أو معلم فى سوق الخضار أو بائع سريح، من منا لم يصادف مثل شخصية حسنه قى فيلم الفتوة أو الشيخ حسن فى جعلونى مجرما أو شيخ الكتاب لمن لحق بهذا الزمن فى درب المهابيل كلها شخصيات تحيا بيننا وقريبة منا وصادفناها فى حياتنا .
-       ويستوقفنى هنا حديث للممثل عزت العلايلى(2) معلقا على إجادة نجيب محفوظ لرسم شخصياته قائلا "عندما كنت أقرأ روايه أو سيناريو لنجيب محفوظ فإننى كنت أرى شخصياته وأشمها وأشوفها صورة وأستمتع بها وعندما كنت أدخل البلاتوه لأجسد شخصية من شخصياته كنت أشعر بأنها أسعد لحظة من لحظات عمرى".
-       وعلق أيضا المخرج توفيق صالح(3) على إجادته فى رسم شخصياته قائلا "إن محفوظ له قدرة على رسم الشخصية بدقة من حيث تاريخها وسلوكها وتصرفاتها وقد ظهر ذلك جليا فى سيناريو فيلم درب المهابيل".
-       وفى رأيى يرجع ذلك إلى كون نجيب محفوظ من هذه الطبقة وبالتالى انحاز لها فى أفلامه وصور مشاكلها وهمومها على الشاشة فظهرت على سجيتها بحيث تشعرك أنك أمام شخصيات حقيقية وليست من بنات افكار الكاتب.
-       ولكن يؤخذ عليها أنها شخصيات تعيسة غير مقدر لها النجاح.
-       شخصيات ترضى بنصيبها غير قادرة على الخروج من مكانها فهى خلقت لتموت فى نفس المكان التى نشأت منه فهريدى عمران جاء بغباره من الصعيد للعمل بإحدى أسواق القاهرة ليجد لنفسه مكانا فى ظروف صعبة ونجح ولكن طمعه ووقوف أبو زيد غريمه له بالمرصاد جعله يعود لنقطة الصفر وفعلا عادت حياته إلى الصفر كما بدأها.
-       وطه العجلاتى فى درب المهابيل كاد عقله يطير من فرحة فوزه بجائزة ورقة اليانصيب البالغ قدرها ألف جنيه ولكن فرحته لم تكتمل لضياع الورقة منه وظل فى صراع مع نفسه ومع كل من حوله ناقما على أهل حارته ولكنه عاد فى النهاية راضيا بالمقسوم وربح قطيع الماعز الألف جنيه فى وليمه جماعية.
-       وسلطان شريف فى فيلم جعلونى مجرما عندما وجد ضالته فى ياسمين وشعر بأن الحياة بدأت تبتسم له وتصالحه لكى يصلح من حاله ظهر له عمه مصارعا إياه عليها واقفا فى طريقة إلى أن أوصله لقتله.. فهى شخصيات تسعى لتغيير قدرها ولكن القدر كان لها بالمرصاد.
-       ومن وجهة نظرى نجاح نجيب محفوظ فى إتقان فن السيناريو واستمراره فيه يرجع لكونه أديبا فمن السهل على الأديب أن يصبح سيناريست نظرا لوجود علاقة وطيدة بين فن السينما وفن الرواية فكلاهما يجمعهما رسم الشخصيات والبناء الدرامى وتطور الأحداث وخيال وحبكة وبداية ونهاية رغم اختلاف الوسائل والأدوات فى كل وسيط ولكنهما يتفقا فى الحكى والوصف بدليل أن كثيرا من أدبائنا اتجهوا لكتابة السيناريو ومنهم سعيد سالم والراحل خيرى شلبى وإبراهيم عبد المجيد ويوسف السباعى وأمين يوسف غراب وفتحى غانم ولكن نجيب محفوظ نجح وبرع وتميز وأبدع لحبه للسينما بشكل خاص بدليل استمراره ونجاحه فى هذا المجال موازيا لنجاحه فى فن الرواية.
-       إن سمات سينما نجيب الشعبية إن جاز لى هذا التعبير هى سينما تراكمية بمعنى أنه كلما شاهدت فيلما له ستكتشف جديداً فيه قد غاب عنك فى المشاهدة السابقة فموهبته فى رسم الشخصية ونقل المكان بحذافيره بطبيعة وواقعية تجعلنا دائما لا نمل من مشاهدة هذه الأفلام وتجعلنا دوما نكتشف الجديد فيها.

فيلمو جرافيا أفلام نجيب محفوظ
كسينارست أو كصاحب الإعداد السينمائى للقصة
(1) "كتابة سيناريو بالاشتراك مع آخرين"
1-    المنتقم  (السيناريو مع صلاح ابو سيف) 1947م
2-    مغامرات عنتر وعبلة (السيناريو مع صلاح ابو سيف) 1948
3-    لك يوم يا ظالم  (السيناريو مع صلاح ابو سيف) 1951
4-    ريا وسكينة (السيناريو مع صلاح ابو سيف) 1953
5-    الوحش (قصة والسيناريو مع صلاح ابو سيف) 1954
6-    جعلونى مجرما (السيناريو مع سيد بدير) 1954
7-    فتوات الحسنية (قصة والسيناريو بالاشتراك مع نيازى مصطفى) 1954
8-    درب المهابيل (قصة والسيناريو بالاشتراك مع توفيق صالح) 1955
9-    النمرود (السيناريو بالاشتراك مع السيد بدير ومحمود صبحى) 1956
10-      الفتوه (السيناريو بالاشتراك مع صلاح ابو سيف ومحمود صبحى) 1957
11-      مجرم فى أجازة (السيناريو مع كامل التلمسانى) 1958
12-      الهاربة (السيناريو مع حسن رمزى) 1958
13-      جميلة بوحريد (السيناريو على الزرقانى وعبد الرحمن الشرقاوى) 1959
14-      المجرم (السيناريو مع صلاح ابو سيف) 1978
(2) كتابة سيناريو بمفرده
1-    الطريق المسدود 1958
2-    أنا حره     1959
3-    الله أكبر 1959
4-    أحنا التلامذه 1959
(3) إعداد القصة السينمائية
1-    بين السماء والأرض  1959
2-    الناصر صلاح الدين 1963
3-    ثمن الحرية  1964
4-    بئر الحرمان  1969
5-    دلال المصرية 1970
6-    الاختيار 1971
7-    الخيط الرفيع 1971
8-    امبراطورية ميم 1972
9-    ذات الوجهين 1973
10-          حب تحت المطر 1975
11-          توحيدة 1976
12-          وكالة البلح 1982
13-          الخادمة 1984
ملحوظة: ورد فى كثير من المقالات والدراسات عن سينما نجيب محفوظ كسيناريست اشتراكه فى سيناريو فيلم (شباب أمرأة) للمخرج صلاح أبو سيف، وقد شاهدت الفيلم وأعدت تتره أكثر من مرة فلم أجد اسم نجيب محفوظ عليه لا من قريب ولا من بعيد.
فتترات الفيلم تقول.. أفلام وحيد فريد تقدم.. شباب امرأة – قصة أمين يوسف غراب- سيناريو أمين يوسف غراب وصلاح أبو سيف- حوار السيد بدير.
السند الثانى كان قاموس السينمائيين المصرين للمخرجين وكتاب السيناريو ولم أجد فيه أى إشارة لفيلم شباب امرأة كأحد أعمال نجيب محفوظ ولذلك وجب التنوية لمعرفة مصدر هذه المعلومة.
(1) نجيب محفوظ وعلاقته بالسينما للكاتب رجاء النقاش
(2) فى ندوة بالقاهرة احتفالا بمئوية نجيب محفوظ فى الصالون الثقافى للمجلس الأعلى للثقافة وقدم من أعمال نجيب  (الاختيار- أهل القمة- التوت والنبوت وحضرة المحترم)
(3)            فى حوار له عن فيلم درب المهابيل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق