بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 31 يناير 2012

عندما يكون البطل طفلا


عندما يكون بطل القصة القصيرة طفلا
فرج ياسين نموذجا
الناقد د.ثائر العذاري
يمكن أن يلحظ قارئ فرج ياسين بسهولة ظاهرة ما فتئت تغلب على أدبه, التركيز على ثيم الطفولة عبر أبعاد متنوعة وتقنيات متعددة، غير أن الشخصية الرئيسة في القصة القصيرة عندما تكون طفلا فإنها تطرح إشكالات فنية يمكن أن تكون واحدا من مصادر المتعة الجمالية في هذا الفن الذي يتسع لمديات غير محدودة من الإبداع.
فمما لا شك فيه أن القصة تهدف بالمرتبة الأولى إلى أن ترينا العالم كما يراه راويها الذي قد يكون البطل أو غيره، عبر ما يعرف بزاوية النظر أو وجهة النظر (Point of view). غير أن تصوير العالم بمفاهيم طفل قد  لا يكون بالأمر اليسير. وفي قصص فرج ياسين تنويعات كثيرة اشتغل عليها في مجال زاوية النظر لبطل القصة الطفل.
ولعل أبرز تلك التنويعات أن يكون الراوي هو البطل (الطفل) نفسه، كما في قصة (حافات السنين المدببة) في مجموعته الأخيرة (رماد الأقاويل)، فالشخصية الرئيسة (علي) الصبي الذي يحب التهرب من المدرسة يعرض عالمه على القارئ برؤية الطفولة التي يمتزج فيها المتخيل بالواقعي والصادق بالمختلق، ولذلك يرى القارئ عالمه غرائبيا وربما سحريا. وفي الجزء الأخير من القصة يمكننا أن نلاحظ كيف فسر شعوره بأول تجربة شبقية يمر بها:
((كان ثمة لفحة من هواء مداث بصدأ الظهيرة ، انسلت من مساحة الفراغ التي خلفها الباب الموارب ، مع بقعة من نور الشمس ، حطت في وسط اللوح ، مثل كف منزوعة الأصابع مكبرة عشرين مرة ، جعلت ترتفع وئيداً حتى غشي اثنان من أصابعها عيني وأطفأهما . لكنني سمعت لهاث العجوز ، ورفعني عطرها إلى أزقة الروح ، مستتيماً إلى وخزات أعضائها في أماكن مختلفة من جسدي ذّرت في القلب حرقة غامضة كالحلم ، بعدها أخذ جسدها يتقبض في مثل زفرات طفل مقرور ، صرخت لا، لا. ثم فاح لعاب دبق وملأ بأبخرته فضاء المكان)).
ولأن القصة تروى هنا من زاوية نظر الطفل يمكننا ملاحظة البراءة والسذاجة في تفسير الظواهر.
غير أن واحدة من مشكلات البطل الطفل تحدث حين يكون الراوي أحد البالغين كالأم أو الأب، ويبدو من الصعب عليه فهم رؤية ذلك البطل، كما في قصة (ثوب بنفسجي قصير الأكمام)، وهي واحدة من روائع قصص الحرب، إذ تصور مأساة إنسانية مؤثرة، أم في ريعان الشباب قتل زوجها في الحرب التي حين وضعت أوزارها كان ابنها الوحيد قد بلغ الثامنة من العمر، وبينما كان الناس يحتفلون بوقف الحرب شعرت هي بمرارة الفقد وحرجها أمام ابنها الذي كانت تعده بعودة أبيه محملا بالهدايا. تظهر الأم وهي تصلح ثوبا بنفسجيا زاهيا لتوهم الصبي أنها تستعد لاستقبال والده، غير أن ما يغيب عنها قوة الحدس الذي يتمتع به الأطفال إن من الصعب أن لا يشعر طفل في الثامنة بوفاة والده، لكنه مع ذلك يقنع نفسه بوعد أمه، وهكذا نرى صورة الطفل من زاوية نظر أمه وهو يقوم بحركات غير مفهومة، إذ لا يبدو سعيدا بذلك الثوب الزاهي ولا بالوعد المغري خاصة حين تصيب إبرة الخياطة سهوا أحد أصابعها:
((.......ثم كشف عن وجهه، ورأت الى عينيه وهما تعلقان في الفراغ مطوفتين حول صورة أبيه المعلقة على الجدار المقابل.))
لم تكن نظرته تشي بسعادة المنتظر عودة أبيه الوشيكة. بل كانت نظرة غير مفهومة (في الفراغ)، وكان رد فعله على وخزة الإبرة لافتا هو الآخر:
((رفس الغطاء ثم استوى قاعدا في الفراش، واقترب حتى أصبح الإصبع الدامي بين عينيه، فاتسعت حدقتاه ورتق الذعر صفحة وجهه المدور العميق السمرة، كانت قد أمسكت بإصبعها المصاب واعتصرته، فنفرت قطرة واحدة من الدم، وتكورت مترقرقة تحت ضوء المصباح.))
لم يكن جرحا بل محض وخزة ابرة بسيطة، ومع ذلك هزت كيان الطفل وملأته ذعرا، وهذا السلوك كشف معرفته بمقتل أبيه التي يريد عدم تصديقها بالانصات مرارا الى وعد أمه. والمهم في مثل هذا النوع من القصص ملاحظة عدم قدرة الراوي البالغ على تفسير سلوك البطل الطفل وفهم حقيقته.
وثمة حالة أخرى يفيد منها فرج ياسين في تكوين مبنى جمالي مستمد من شخصية البطل الطفل، حين يسترجع الراوي البالغ أحداث حكاية حدثت له في طفولته، وربما كانت قصة (رماد الأقاويل) أفضل نموذج لهذه الحالة حيث يحاول الراوي العجوز تفسير واحدة من حكايات الطفولة:
((    قبل أن يظهر لنا هذه المرة ، في الحوار ، كنا قد استدعيناه من حرائق طفولتنا ، لكن السنين العجفاء جعلتنا نغص بهباء الاكتشاف . نعم ، كان رجلاً! وفي محاولة أخرى لطواف الفكرة حول نفسها ، وكان يظهر عارياً على شاطئ حصوي تحف به أجمات الغرب الصغيرة . وفي محاولة أخرى حصلت في المستقبل الذي انقضى منذ زمن طويل: وكان ذلك في الصباح يطل من شاهق على أحلامنا الناعمة . أكان ذلك في كل صباح ؟.))
هنا يلعب القاص لعبة  التعارض بين مفاهيم الطفل ومفاهيم البالغ، فالرجل العجوز يتحدث عن شخصية شعبية كان ينظر اليها على أنها شخصية أسطورية  أو فنطازية سحرية عندما كان طفلا، غير أنه لا يستطيع تفسير ذلك الفهم الآن وهو في عمر الشيخوخة، في الوقت نفسه الذي يصعب عليه فيه نبذ تلك التفسيرات الطفولية والتخلي عنها، وبعد سرد مفصل لتلك المفاهيم والتفسيرات البريئة يقرر في النهاية الاستسلام لها:
((    لشد ما تراءت صورته في ذاكرتي ، مرة يسوح في الأقاويل ، ومرات كثيرة ينتصب فرداً أمام عيني غلام مرنقتين بضباب غبش شتائي ، يخرج عارياً من خلف خرائب القلعة ، فوق عش اللقلق ، يحمل صحيفة مملوءة ماء ويولي وجهه شطر أفق يقف على رؤوس أصابعه ، منتظراً خيوط الشروق الأولى ، بيد أنني انتظرت أعواماً أخرى ريثما تهدا الضجة ويكتمل نصاب الأقران . لكن الجلسة التي ظلت قائمة منذ ثلاثين عاماً لم تتسع الآن ألا  لعكازاتنا المتصالبة تحت الأرائك النخرة .))
فرؤية البطل الطفل عصية على الفهم من قبل البالغين، حتى لو كان ذلك البالغ هو الطفل نفسه بعد بلوغه مبلغ الكبار.
وفي قصة لافتة أخرى يقدم فرج ياسين طفلا غريبا. طفل في الخمسين من العمر، في قصة (الصرة)  المنشورة في مجموعته (حوار آخر). فبطلها (عباس) وحيد أمه، أوقف نفسه لخدمة تلك الأم استجابة لتعلقها به، ومرت أعوامه الخمسون من غير أن يكتسب أية تجربة معرفية اجتماعية إذ لم يختلط بأحد من الناس وبقي متمسكا بالتفسيرات الطفولية للحياة. ويبدو أن الأم كانت هي الأخرى راغبة في ذلك:
((- حسنا لقد كانت له أم وكانت تحتفظ به بشدة، لقد كانت تسميه (الطفل)، وهو في الخمسين. إنها تجلس بعد مغيب الشمس من كل يوم عند عتبة البيت، فيداعبها الكبار والصغار قائلين: ما الذي تنتظرين يا أم عباس فتقول: إنني أنتظر الطفل .......))
واللافت في القصة أن القاص يصور سلوك بطلها كأنه لا يملك وسيلة للاتصال بالعالم سوى السمع فهو لا يستفيد أبدا من عينيه، وهذه إشارة واضحة الى أنه كما لو كان ما يزال في الطور الجنيني من حياته، وحين تموت أمه يغرق في متاهة الحياة التي لم يتعلم كيف يسلك طرقها:
((... وهو الآن لا يناقش ما يستمع إليه،إنه يتلقاه فقط. وقد تخجله حرية الآخرين، ليس لأنها تخرج عن الحدود أحيانا فهو يعرف أن لا حدود بل لأنه لا يستطيع أن يتصور الحرية بدون أم.))
إنه (طفل) يتلقى العالم بانطباعات فورية ومن غير محاولة للتفسير، ولا حدود عنده لأي شيء، والحرية عنده هي الحياة في كنف أم راعية يتصرف أمامها كيف شاء من غير خوف ولا وجل لأنها هي من يوفر له الحماية.
وبعد مراجعات مع النفس يقرر عباس تلك الليلة أن لا يبيت في بيته الذي خلا من أمه ويعود إلى محلج القطن الذي يعمل فيه ليجده مقفلا، حين ذاك:
((.... قرفص الى جانب الباب وشبك يديه فوق ركبتيهثم أغمض جفنه الخدر.... لكنه ظل متزملا بمعطفه الأخضر الثقيل وبالكوفية راح الآن ينشرها ويلفها حول رأسه ووجهه، وبعد قليل أسند كتفيه الى الحائط، وجعل ظهره متجها للريح....))
من الواضح أن (عباسا) يتخذ هيأة الجنين ويصنع من ملابسه ما يشبه رحما يعزله عن العالم فهو يرفض أن يولد. أما (الصرة) فهي اللغز الذي حيره فقد ورثها فيما ورث من أغراض في صندوق أمه صرة صغيرة من القماش الأسود لم يجرؤ على حل عقدتها واكتشاف ما بها واكتفى بمحاولة الحدس. لكنه في آخر أسطر القصة بعد أن اتخذ تلك الجلسة:
((.... لكن أصابعه لامست الصرة في جيبه فاستوى جالسا وأخرج الخرقة السوداء، وبخفة متناهية أعمل أصابعه في حل عقدتها، لكن الذي هاله أنه لم يجد شيئا في داخلها. لقد كانت قطعة القماش الخشنة تلتف على نفسها عدة مرات ليس إلا.))
يبني القاص هنا مفارقة لغوية فالصرة في اللهجة العراقية تشير أيضا الى (السرة) مكان ارتباط الحبل السري الذي يغذي الجنين. وهكذا كان انحلال عقدة تلك الصرة الولادة الإجبارية للبطل بعد موت أمه رغما عنه وعلى الرغم من رفضه تلك الولادة.
وهكذا يمكننا ملاحظة كم من الجمال الفني يمكن أن تتضمن قصة قصيرة تتخذ طفلا شخصية رئيسة فيها. خاصة عندما يأخذ القاص وجهة نظر ذلك الطفل بنظر الاعتبار.

السبت، 21 يناير 2012

عبق المكان وغواية السرد في رواية شتاء العائلة للأديب العراقي علي بدر الشربيني المهندس


عبق المكان وغواية السرد في رواية شتاء العائلة
للأديب العراقي علي بدر                             
الشربيني المهندس

.. سمعتها وقرأتها ،أحببت بغداد كما لم أحب مدينة أخري في رواية بابا سارتر لعلي بدر ، وهي مقولة تستحق التوقف عندها طويلا كمدخل لقراءة رواية شتاء العائلة ، الرواية الثانية للكاتب العراقي علي بدر .. والذي حفر مكانه على خارطة الأدب العراقي الحديث بشدة وثقة عالية، واعْتُبٍرَ عمله( خرائط منتصف الليل ) المصنفة ضمن دائرة الأدب الجغرافي، كأضخم عمل روائي، نال لأجله جائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي، في عام 2005م، .

وإذا كانت روايته الأولي بابا سارتر قد حصلت علي جوائز الدولة للآداب في بغداد في العام 2001، وجائزة أبو القاسم الشابي في العام ذاته  . فإن رواية شتاء العائلة حازت على جائزة الإبداع الروائي في الإمارات العربية المتحدة في العام 2002 ] ..وفي عام 2007 صدرت طبعتها الثانية، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بعد طبعتها الأولى التي صدرت في عام 2002م عن دار الشؤون الثقافية في بغداد  . وهذا يدفعنا لرصد عدة محاور.
أولها أين تقع بغداد في الأدب العراقي الحديث وهي مسقط رأس كاتبنا ،وكيف يتناولها الأدباء ..وهل أغراه نجاح روايته الأولي بأن يكرر نفسه  ..؟

وثانيها كيف وظف الكاتب الأساليب السردية ولغة الكتابة ، في كشف خبايا المكان والشخصية الروائية ، ومعالجة موقف الذات المبدعة في التردد بين الحجاب والسفور ، وحيل الفن والعاب السرد وذلك "عبر تصوير واقعها الداخلي الذي يتكون من مشاعر، وأحاسيس وأفكار وتطلعات ورغبات وآمال وآلام ومواقف من الناس والأشياء وغير ذلك مما يعتمل في الوعي الإنساني .
ومن المعلوم أنه ليست مهمة الروائي بالقطع أن يقص علينا أحداثا عظيمة فقط ، بل يمكنه أن يجعل  الأحداث الصغيرة ذات مغزي وحيوية مثيرة للاهتمام ."
علما بأن تحولات السرد في القصة والرواية العراقية بوجه عام ارتبطت ارتباطا وثيقا بعاملين مهمين ، شكلا مرجعية ذات فاعلية في تشكيل أنماطه الأسلوبية والتركيبية والدلالية، وهما المرجع الخارجي الواقعي المعاش ، وثانيها التيارات الروائية الأجنبية والتي كان القاص والروائي العراقي يتعرف عليها من خلال الترجمة إلى العربية .. وكاتبنا ترجم أعمال ودراسات أدبية .
هكذا يمكننا القول أن احد المداخل الهامة لقراءة رواية شتاء العائلة والكاتب علي بدر هو الحب للمكان وبغداد بصفة خاصة ، ثم الحب الذي استطاع من خلاله أن يضع شخوص روايته في محيط مختبري ، ليتاح له الغوص في عمق معاناتها، ومجبرا إياها علي التخلي عن زيفها وتصنعها بمصاحبة المدرسة التعبيرية  .
استطاع الكاتب أن يجسم ذلك من خلال حكاية حب لإمرأة أربعينية العمر من الطبقة الارستقراطية التي انهارت منذ الخمسينيات بعد اندلاع الثورة واختارت عالمها الذي تريد، وانغمرت في روتين حياتي بعالمها القديم لتشعر بوجودها مع خادمها السمرقندي وابنة أخيها الشابة ، تستدعي إلي نفسها هذه الحياة الملكية التي عاشتها يوما ما ص29 ، وتخلت عن العالم الخارجي كي ينساها، لكن العالم الخارجي لن ينساها .. هذا ما حاول الكاتب توصيله لنا .. اذ تفتح عينيها فجأة على حضورٍ مربك لغريب اقتحم منزلها ذات ليلةٍ ماطرة، لينسحب ذات مساء عاصف ويتركها لذهولها ... لقد نجح الكاتب في نقل الإحساس القاتم لامرأة تعيش الرتابة وتعيش حياتها في خصام مع الحاضر ،ثم في نقل إحساسها بالسعادة والمرح حين تقع بالحب ولو كان زائفاً.. ( لقد غيرني ) قالت ذلك بحسرة تعصر قلبها ( أربعون عاما آمنت وتمسكت. وفي لحظة واحدة شعرت بأن كل ما آمنت وتمسكت به ينهار .. ) ص 121      كما انه نجح خلال أحداث روايته باصطحابنا داخل قاموس الطبقة الراقية من خلال وصف دقيق وبإسهاب لمظاهر حياتهم بكل تفاصيلها الدقيقة ، مع شرح دقيق للمكان وخارطة مرسوم عليها منمنمات المكان ودكوراته ،وأثاثه ، والممتلكات وعلاقات التاريخ من أجل خلق نوع من التواصل الحميمي مع القارئ .      
تلك هي الفكرة العامة للرواية كما لخصها الكاتب في ظهر الغلاف .. ولكن هل صورة الغلاف هي صورة المرأة ، أم الصورة المعروضة في لندن .. وماذا عن التناول الفني وطرق السرد التي اتبعها الكاتب .؟
مع ذكر صورة الغلاف يمتاز الأديب علي بدر بالاهتمام بالوثائق للدخول إلي عوالم رواياته.. الدخول هنا كان أيضا بالصورة كوثيقة ( أخذت أقلب صورا قديمة ،دفاتر ذكريات ، وفي تلك اللحظة سقطت صورة من يدي علي الأرض ، كانت صورة باللونين الأبيض والأسود لعمتي وهي شابة ) ص 10 .. وتفتح بنت الأخ الشابة الأدراج أيضا كبداية لحياتها الرتيبة بالقصر ، حيث تسير بكبرياء سير عمتها الأربعينية العذراء التي تعيش حياتها وهي تحدق في عقارب الساعة ..ص                  
  ويبدو ذكاء السارد في إضافة حكايات جانبية تشغل القارئ ( تذكرت جارتنا الأرمينية التي كانت مسجاة علي فراش الموت وهي تحتضر ، دقت ساعتها الموضوعة علي الدولاب القريب من سريرها ، فتناولتها بيدها المرتجفة وضبطت منبهها ليدق الساعة نفسها في اليوم التالي ..) ص 24 .. وتصاحبنا الصورة حتي النهاية .. (صور وذكريات ) قال إبراهيم وهو يعدل نظارته علي أنفه ، وهو يغل الشباك وصليل المطر يزعجه بدلالة رمزية (لم يعد في المنزل الذي تركناه غير الصور والذكريات ) ص 148  
وكذلك حاول الكاتب كسر زمن القص حيث يقول ( لم أزر عمتي في المنزل الذي ولدت فيه الا في تشرين الماضي) ص10 .. ويقول (جلست هناك علي كرسي الخيزران الذي كانت تجلس عليه عمتي يوما ما ) ص 155 كاسرا لملل التسلسل التاريخي ودافعا القارئ لدهشة تتبع التسلسل السردي والتاريخي . ويؤجل التحليل الي صفحة 153 والفصل الأخير وعنوانه خزانة الصور ( لقد أعدت صورة عمتي بهدوء كبير إلي الخزانة)  كنت أتذكر في تلك اللحظة صورا أخري ، صورة كنت رأيتها للمرة الأولي في لندن ، في الواجهة الزجاجية صورة لعمتي بقصة شعرها القصيرة ، وانفها المرفوع لأعلي ، وابتسامتها الحزينة الذائبة ) ص 155 ..
ونبدأ من المكان حيث الاستهلال للفصل الأول بعنوان حضور الغائب .. ( منذ عدة أيام زرت منزلنا القديم ، منزلنا القديم الذي ولدت فيه أشبه بجنة من زهور القرنفل ، وهو يطل علي النهر ، وعلي مقربة من حدائقه السلطانية كانت هناك مفازة من الآس والسدر ، حيث كان موج النهر يلف بلسانه خاصرة البساتين )ص9
.. لكل مدينة سحرها لكن الأمكنة تفقد الكثير من جمال صورتها السردية وفنيتها ، إذا ما نظرنا إليها من منظور مادي يجعلنا نراها كصور فوتوغرافية ناقلة للجانب الحسي من الأمكنة .. في حين يتوجب علينا كي نشعر بجمال صور الأمكنة مهما بعدت كي تمتع بها بعين المخيال ، أي أننا نقوم بعملية نقل صور السرد المكانية من المكان الواقعي الى ما يسمي بالميتا مكان ، لأنه من غير الممكن أن تمنحنا القصة المكانية نصاعتها بالقراءة اللفظية .. فكيف عرض الكاتب المكان ..؟
ويأتي عنوان الرواية شتاء العائلة كعتبة هامة لتناول النص ، حيث للشتاء سماته الخاصة ودلالاته العديدة .. وربما يأتي البيات الشتوي في خاطرنا أيضا ..
الشتاء سيطر علي أحداث الرواية منذ زار عمته بالفصل الأول في تشرين .. وهي العاطفية في الفصل الثاني الهروب آخر يوم في الشهر والتي تنبهت في ظهيرة يوم تشريني بارد علي أنوثتها ، لم تكن تخلط بين العاطفة الخالصة والواجب ، مرورا بوصول ابنة أخيها الشابة في أحد أيام كانون المثلجة بعد وفاة والدها بلندن ،وحتي وصول الغريب إلي القصر والمطر يهطل في الخارج ، وإلي أن خرجت العمة وراء الشوفير مترنحة في الظلام الدامس تبحث عن الغريب الذي اختفي، ثم انتحار الابنة وقد بردت برودة رخامية علي السرير المبلل بالعرق البارد ، والعمة تتطلع إلي الحديقة الباردة المثلجة بعيون ثابتة  كان المطر ينهمر من الغيوم تدفعه الرياح العاتية ليكون أحد مفاتيح الرواية ..    
 حالة الابنة الشابة التي فقدت والدها ،والعمة التي تخطت مرحلة الشباب ولم تكون عائلة بعد تمثل هذه الحالة ببرودتها مرحلة شتاء عمري أيضا .. حتى الروزنامة كانت تزينها صور جبال شاهقة وقد كللت قممها العالية أطنان من الثلج ص 11 قالت له العمة وفي حلقها غصة ( أنا تعيسة ) قلت لها : ألا أستطيع أن أفعل لك شيئا ـ (لا تهتم بي كثيرا لقد عشت وهذا كل ما في الأمر.. ولكن بعد تجربة الحب ، الحب القاسي تجد أنك لم تعش الحياة كما ينبغي  ) ص16
العناوين الفرعية أيضا تضفي دلالة خاصة وتبدأ بحضور الغائب وليس الغريب ثم الهروب آخر يوم من الشهر حيث أن هروب الغريب أهم من حضوره ،ثم خزانة الصور وعودة للتوثيق وسؤال حائر ( ما الذي يمكن أن تفعله لي خزانة الصور) قال الآخرص164 .. ( الناس لا تعيش حياتها فقط إنما تعيش أوهامها أيضا)السارد لا شك أن الأحداث والأزمات التي  مرت بالعالم العربي بوجه عام والعراق وأهله بوجه خاص خلال العقود الأخيرة قد أثرت علي الناس والأدب ، فقد كان من الطبيعي أن تعنى بها الرواية كونها تشكيل لغوي سردي دال في استجابتها لمتغيرات المجتمع ألمديني وتحولات الواقع والإنسان بفعل التغير وما ينتج عنه. فالبعض هاجر خارج الوطن وعبر عن ذلك الكثير من الشعراء والأدباء .. وقد استضاف المختبر في العام الماضي ا عبد الاله عبدالقادر وروايته رحيل النوارس ، بينما يؤثر البعض الهجرة للداخل مع الطائفة والعشيرة بل والانزواء والتقوقع .. وفي ظني أن رواية شتاء العائلة للأديب العراقي علي بدر تعالج هذه القضية ..
 لقد استخدم الكاتب خليطا من أساليب السارد العليم والذاتي فبجانب تتبع الشخصيات جعله يحلل ما يراه أيضا بلسانه أو بلسان أحد شخصياته .. بجانب الحوار بين الشخصيات وظهور المنظور النفسي ..
كانت تسمع تلك الصرخة المديدة الحادة التي تطلقها بصمت كلما رأته يلاطف ابنة أخيها .. خرج والفتاة تتبعه حاملة صندوقا زجاجيا ، قالت :
ـ سنسحبها في هذا الصندوق                                                                          ـ (تعال يا قاهر الأفاعي) قالتها العمة
(نعم الرجال يسجنون الأفاعي في صناديق الزجاج من أجل النساء ..والنساء يسجن الرجال في قلوبهن من اجل الأفاعي ) ص85
درجة من السخرية ضمنها الكاتب روايته حيث اللعب بالمناديل أو الأفاعي كانت متعة القوم ، وربما دلالة علي قرب النهاية التي مهد لها الكاتب ..
ونعود إليها إلي  بغداد التي طبعت بطابعها بلاد فارس القريبة تلمع مثل سمك تحت الشمس مآذنها وقبب مساجدها وهي تغطي صدور المدن                                                        كان أبي يقول : بغداد أشبه بدمشق منها إلي القاهرة .
بينما يطوف تجار الأثريات وبأيديهم حقائب النقود التي تحمل النقوش الآشورية السود بحثا عن شئ يصل الحاضر بالماضي  .ص 12..
 لقد أحب الكاتب بغداد مسقط رأسه فكان هذا هو مفتاح السرد عنها في هذه الرواية ، بسرد التفاصيل الدقيقة للمكان يريد أن يحكي كل شئ .. (( عندما                                           تحب ، كأنك تريد سلما أو أرجوحة لتطير ، ثمة فكر يجعلك تنطلق ) ص 16  ..  .. يؤمن علي بدر بالكاتب الواعي والسارد المثقف والمفكر والسرد الممنهج بديلا عن الايدولوجيا .. يقول (بغداد غامضة وسط الضباب ، ومنازلها الشائهة بلون القلب ، بينما الكنائس بيض في الضواحي ، وأسراب من الأجراس التي تهتز كل فجر يؤذن بالصباح الكلداني ، قرب المساجد الإسلامية التي تؤذن بالصباح العباسي منذ أيام الرشيد ) ص23
الأديب علي بدر حين يكتب، يشعرك بإلمامه وقدرته الكبيرة ودقته في جمع المعلومات، فحين يتحدث عن المقاهي والحواري والبيوت، والقصور فإنه يصفها كصورة حقيقية بكل تفاصيلها الكبيرة والمتناهية بالصغر.
مع الحبكة أو الضوء الكاشف لحقيقة الغريب تأتي المفاجأة والعمة وحدها وسط السكون تنظر نحو الروزنامة ..
كانت الورقة الأخيرة الموجودة في الروزنامة لم تتغير بعد ، لم تمزقها كعادتها صبيحة كل يوم ، إنما كانت تحمل التاريخ نفسه الذي دخل فيه الغريب المنزل .. ويفشل الغريب في الإجابة عن سؤالها عن احدي القريبات وهي صديقة لوالدته التي يدعيها .. ص 119 .. لقد قلب كل شئ وأخذت تقلب في الكتب المكومة (أين قرأت هذا .. لص يدخل منزل سيدة يدعي أنه أحد أقاربها وهي لا تعرفه ، وتصدق أكذوبته من أجل أن يبقي معها ، وفي الصباح تجده قد رحل بعد أن سرق كل شئ في المنزل ) ص121 .. لقد سرق قلبها ..
أدركت العمة أن الأكذوبة الطويلة قد تحطمت كتحطم الزجاجة ص 124 ..  وهي لم تحاول التنبه إلي ما حدث بين الغريب وسليمان باللغة الأذربيجانية التي يدعي أنه يتقنها .. ساعتها ظهر عجزه أو كذبه أمام الخادم ، وفغر الغريب فمه .. ص75 ولاشك أن الكاتب قد تأثر بالروايات الأجنبية ،ففكرة زيارة الغريب من الخارج ليحطم الداخل تناولها العديد من الأدباء .. فزيارة السيدة العجوز للكاتب السويسري دورينمات ، كان الهدف واضحا في ذهن الغريب ،فقد عادت السيدة لتحي الماضي ثم تنتقم له ، ولكن هنا يظل سبب حضور الغريب هامشيا ، حيث يبدأ – هذا الوافد الغريب – في اقتحام عالمه الجديد بثقة غريبة ، وهذا الواقع الحاضر ، الآني بتأزماته ، وعوالمه المظلمة ، ويحاول أن تتأقلم حالته على المكان ، يعيشه ويعايشه ويبدو فيه كأنه من أبناء جلدته .. لكن يبدو إنه حالة استثنائية مع الذات  ..
وتأتي حكاية الحب من جانب الابنة والعمة للرجل في وجود زوجته لتضع أكثر من علامة استفهام بجانب تصرفات الزوجة نفسها .
وهكذا تدور أحداث الرواية وقصص الحب داخل القصر ، خلافا لرواية بابا سارتر التي ركزت علي المقاهي والثقافة ، وإذا كان البطل الوجودي عبد الرحمن لرواية بابا سارتر يعلنها صريحة أننا قوم بدون ثقافة خاصة ولكن نتبع الغرب ، تأتي الخاتمة والذات الساردة صاحبة الرؤية الإبداعية هنا توجز ما يريد ..
 أتركوا الصور ودفاتر الذكريات .. قلت لهم :
لقد ماتت العمة بسبب قصة حب ، لقد دخل غريب منزلنا وهدم سلام العائلة إلي الأبد، وحين زرتها في العام الماضي كنت أتعرف علي نفسي في الأشياء المتهدمة ، في الأشياء الموضوعة بنعومة ، التي لا يعرف سرها أحد غيرنا ..ص 166
نعم دخل الغريب بيتنا وتركناه يرتع دون سؤال وعندما هرب مع السؤال انهار المنزل .. كتبها الراوي قبل دخول الأمريكان إلي العراق وكأنها النبوءة وهو ينهي الرواية برسالة بين الأقواس من إبراهيم تقول :
ـ (..تعال لقد عرضنا المنزل الكبير للبيع ..)  

أحزان عراقية.. قراءة للمجموعة قصصية "قلعة الحاج سهراب" للكاتب العراقى هشام توفيق د.عبدالبارى خطاب


أحزان عراقية.. قراءة للمجموعة قصصية
"قلعة الحاج سهراب" للكاتب العراقى هشام توفيق
                                                          د.عبدالبارى خطاب
عتبات المجموعة:
غلاف بدرجات اللون الأحمر، وظلال قلعة أثرية وعنوان المجموعة بلون أسود، ثم                           الإهداء "إلى الشهيد آياد عبد الرشيد، دمعة وفاء على قبره المجهول".
كل المقدمات تشير إلى أن القارئ على أبواب أحزان عراقية.
تشتمل المجموعة على خمس قصص فقط تشغل مائة وخمس صفحات من القطع الصغير. من منشورات بغداد عام 2007 وسوف أبدأ من القصة الرابعة "شجرة عبد الله الصالح" لكونها متميزة ومتمايزة عن باقى المجموعة.
     قصة من قصص الواقعية السحرية، تستند إلى الأسطورة والفانتازيا والإيحاءات الرمزية. تتلخص الأسطورة التى تشكل البناء الدرامى للقصة فى أن رجلا كان يجوب الأرض من قبل التاريخ، استقر به المقام فى بقعة "شبه مستطيلة"،"يدافع عن الفقراء، ويدعو إلى المساواة والعدل...." قتله حاكم ظالم "فظهرت نبتة تنمو من بين مزق اللحم البشرى...، واستحالت النبتة إلى شجرة وارفة، كثيرة الغصون تطرح كل أنواع الثمار والتمر والأزهار". ثم يتمحور الحدث حول تلك الشجرة العجيبة على مر الزمان، حيث تتعرض للتدمير المتعمد من قبل حاكم طاغية....، فتنمو من جديد، وبعدها تتعرض للتدمير المتعمد من قبل "غزاة قساه فى وقت ساد فيه الفرقة والحسد..." ، ثم تتعرض للمرة الثالثة للتدمير من قبل "شرذمة كافرة عاثت فى الأرض فسادا وخرابا..." وبعدها بفترة تنمو ولكن "يابسة الغصون، حية العرق والنسغ...".
   تلك الشجرة العجيبة أضحت مزارا للسكان، يتبركون بها، يعلقون على فروعها اليابسة أمنياتهم...، وتقول الأسطورة "أنها بعد حدث جلل، سوف تعود لها الحياة كاملة، فتزهر وتثمر".
    تتناص القصة مع الرموز الدينية فى مواقع كثيرة، نذكر منها:
        "... الأغصان الجافة التى تأخذ شكل قباب خشبية ذات تناسق غريب..."، ص95 فى إشارة إلى قباب الكنائس والمساجد.
    فى وصف الرجل الذى يدعو إلى المساواة والعدل، ويدافع عن الضعفاء والفقراء ص98 "... تخالط قامته هالة شهباء تلازمه كالظل أينما حل وارتحل..." فى إشارة إلى تلك السحابة التى كانت تظلل الرسول عليه الصلاة والسلام أينما حل أو ارتحل.
   فى وصف قدرات الشجرة العجيبة ص99 "... جعلت الضرير يبصر، تشفى المريض، وأن رضيعا نطق إلى جوار جذعها.... "، فى إشارة لبعض معجزات السيد المسيح عليه السلام.
    القصة فى مجملها تعبر عن العراق "أرض شبه مستطيلة"، وما مر به من تخريب وغزو همجى، وحكم ظالم... . ثم أن الشجرة قد أزهرت، "بعد حادث جلل "، فى إشارة رمزية للتخلص من حكم صدام حسين.
    ويمكن تعميم هذا الإسقاط على المنطقة العربية أيضا الآن، بعد ثورات الربيع العربى، وهو ما يعتبر استشرافا للمستقبل.

قصة "شجرة المدينة المقدسة"
    هى القصة الثالثة فى المجموعة، يستخدم فيها الكاتب تقنية المزج بين الحقيقة والخيال فى حبكة درامية، تعتمد على الموروث الشعبى الدينى للشيعة، وتتناص مع حكايات ألف ليلة.
    الحكاية عن شجرة مقدسة فى مدينة كربلاء، وفى يوم عاشوراء تبكى الشجرة دما "من هول ما فجعت به من أحداث"، فى إشارة لذكرى مقتل الحسين.
    يستخدم الكاتب تلك الأسطورة ويضفرها مع حكاية الرجل الذى قتله التعذيب البشع من زبانية الحاكم، ومرض ابنته الصغيرة حزنا عليه، مرضا فشل فى علاجه الأطباء... ويأتى لأمها طيف رجل صالح، ينصحها بالذهاب إلى حيث الشجرة المقدسة القادرة على شفاء ابنتها... ويتحقق لها ذلك فى نهاية القصة.

قصة "أوراق سرية من مذكرات فتاة شاب شابة"
    هى القصة الأولى فى المجموعة، ولقد كتب المؤلف بجوار عنوانها "قصة قصيرة"، رغم أنها تمتد على 26 صفحة، وهى أقرب إلى الرواية منها للقصة القصيرة.
  تحكى عن مأساة "التسفير" وهو طرد العراقيين الشيعة والأكراد من أصول إيرانية، إلى إيران، وإسقاط الجنسية العراقية عنهم، مع بدايات الحرب العراقية الإيرانية.
   تبدأ القصة بعنوان فرعى، "حدث ذلك فى نيسان 1980"، على لسان فتاة عراقية بالسنة الثانية بجامعة البصرة، وهى فى طريق بلدتهم بالجنوب، بعد سماعها لأخبار "تسفير" أسرتها.
   يستخدم الكاتب تقنيات تيار الوعى لسرد الحدث الأصلى، وهو مأساة تشتيت الأسر العراقية، مستعينا بالحوار الداخلى تارة، والحوار الخارجى بين شخصيات القصة، كما يستخدم تقنية الذكريات للعودة للماضى، مثل تذكر البطلة لحادثة موت أخيها الصغير فى بركة المياه، ثم قصة حب وزواج شقيقتها ـعلى مدار 12 صفحةـ، وكأنها قصص موازية للقصة الرئيسة، وإن كانت لا تدخل فى محور الأحداث.
   استخدم الكاتب فى تصاعد الحدث تقنية الحبكة الدرامية البوليسية، ونجح فى نقل تفاصيل المأساة إلى القارئ، وإن كان هناك بعض الإطالة فى الجمل الوصفية التى تجعل السرد أقرب للرواية.

قصة " قلعة الحاج سهراب "
     هى القصة الثانية فى المجموعة،  تقع أحداثها فى 18 صفحة، وتعتبر استكمالا للقصة الأولى -السابقة– مع انتقال الزمن إلى فترة احتلال العراق وسقوط حكم صدام حسين.
   تجنح القصة إلى المقال التاريخى، بالعودة للماضى السحيق وقت بناء القلعة، موضحا الظلم الذى وقع على العمال... ثم ازدهار القلعة وحديقتها، بعد شراء جد البطلة لها. ولقد استعان بشخصية جديدة لتحكى أسباب الدمار الذى لحق بالقلعة والحديقة، بسبب "تسفير" أصحابها الأكراد، واحتلال الجنود لها خلال الحرب العراقية الإيرانية، واستيلاء أحد أعوان النظام السابق على أراضيها.
    نجح الكاتب فى اعتبار القلعة رمزا للأسرة الكردية العراقية، والمقابلة ما بين التعمير فى وجودها، والتخريب بعد تهجيرها قسرا. موضحا بذكاء أدبى العلاقة الحميمة التى كانت تربط بين صاحب القلعة الكردى، ومحيطه الجغرافى من الشيعة فى الجنوب العراقى.

قصة "أصوات"
       هى القصة الأخيرة فى المجموعة، تقع فى 45 صفحة، وتعتبر الفصل الثالث –فى رأيي– لرواية عنوانها "قلعة الحاج سهراب" والتى تشتمل على القصص الأولى والثانية والخامسة من تلك المجموعة القصصية.
   تبدأ القصة بالصوت رقم "1"، فى حزيران 2004، على لسان الأب العراقى الذى سبق "تسفيره" قسرا، رغم هويته وجنسيته العراقية، ولم تشفع له عضويته فى الحزب الحاكم. والجديد هنا هو أن المتحدث بضمير المتكلم، هو جثمان هذا الأب الذى توفى فى المنفى، وحمل جثمانه ليدفن بالعراق بعد سقوط النظام.
    تتوالى الأصوات فى القصة على لسان زوجته، ثم ابنه، ثم ابنته... الذين لم يروه منذ تسفيره من 24 عاما. ولقد تمكن الكاتب من الغوص داخل أحاسيس تلك الأسرة التى عانت الكثير نتيجة "تسفير" الأب وسحب الجنسية العراقية منه، والرعب الذى عشش فى العراق  خلال فترة حكم صدام حسين.



السبت، 7 يناير 2012

مؤتمر أدباء مصر يكرم منير عتيبة بالقاهرة


كرم مؤتمر أدباء مصر فى افتتاح دورته السادسة والعشرون بالقاهرة يوم الأربعاء 28 ديسمبر2011 الأديب منير عتيبة المشرف على مختبر السرديات بمكتبة الإسكندرية ممثلا عن أدباء وجه بحرى، وقد أشار كتاب المكرمون الصادر عن المؤتمر إلى عالم منير عتيبة الإبداعى بأنه "هناك دائما خلف هذا العالم الذى يحكيه عتيبة عالم آخر غير مرئى، ربما يكون رمزيا، يبدو أقرب إلى طفولة البشرية فى حكاياتها التى تحاول تعليل كل ما هو غائب عن الواقع بالحكايات التى تختزن الحكمة فى الخرافة".
وهذه الدورة هى أولى دورات مؤتمر أدباء مصر بعد ثورة 25 يناير والتى أقيمت تحت عنوان (سقوط نص الاستبداد.. دورة أمل دنقل).
حضر افتتاح المؤتمر الدكتور عبد القوى خليفة محافظ القاهرة وسعد عبد الرحمن رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، والأديب فؤاد حجازى رئيس المؤتمر، والشاعر فارس خضر أمين عام المؤتمر.
وقد كرم المؤتمر أيضا عددا من المبدعين والإعلاميين هم فؤاد حجازى، عماد غزالى، أشرف عطية، نعيم الأسيوطى، انتصار عبد المنعم، محمود شرف، محمد التمساح، فاطمة يوسف، نجاتى عبد القادر.