بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 21 يناير 2012

أحزان عراقية.. قراءة للمجموعة قصصية "قلعة الحاج سهراب" للكاتب العراقى هشام توفيق د.عبدالبارى خطاب


أحزان عراقية.. قراءة للمجموعة قصصية
"قلعة الحاج سهراب" للكاتب العراقى هشام توفيق
                                                          د.عبدالبارى خطاب
عتبات المجموعة:
غلاف بدرجات اللون الأحمر، وظلال قلعة أثرية وعنوان المجموعة بلون أسود، ثم                           الإهداء "إلى الشهيد آياد عبد الرشيد، دمعة وفاء على قبره المجهول".
كل المقدمات تشير إلى أن القارئ على أبواب أحزان عراقية.
تشتمل المجموعة على خمس قصص فقط تشغل مائة وخمس صفحات من القطع الصغير. من منشورات بغداد عام 2007 وسوف أبدأ من القصة الرابعة "شجرة عبد الله الصالح" لكونها متميزة ومتمايزة عن باقى المجموعة.
     قصة من قصص الواقعية السحرية، تستند إلى الأسطورة والفانتازيا والإيحاءات الرمزية. تتلخص الأسطورة التى تشكل البناء الدرامى للقصة فى أن رجلا كان يجوب الأرض من قبل التاريخ، استقر به المقام فى بقعة "شبه مستطيلة"،"يدافع عن الفقراء، ويدعو إلى المساواة والعدل...." قتله حاكم ظالم "فظهرت نبتة تنمو من بين مزق اللحم البشرى...، واستحالت النبتة إلى شجرة وارفة، كثيرة الغصون تطرح كل أنواع الثمار والتمر والأزهار". ثم يتمحور الحدث حول تلك الشجرة العجيبة على مر الزمان، حيث تتعرض للتدمير المتعمد من قبل حاكم طاغية....، فتنمو من جديد، وبعدها تتعرض للتدمير المتعمد من قبل "غزاة قساه فى وقت ساد فيه الفرقة والحسد..." ، ثم تتعرض للمرة الثالثة للتدمير من قبل "شرذمة كافرة عاثت فى الأرض فسادا وخرابا..." وبعدها بفترة تنمو ولكن "يابسة الغصون، حية العرق والنسغ...".
   تلك الشجرة العجيبة أضحت مزارا للسكان، يتبركون بها، يعلقون على فروعها اليابسة أمنياتهم...، وتقول الأسطورة "أنها بعد حدث جلل، سوف تعود لها الحياة كاملة، فتزهر وتثمر".
    تتناص القصة مع الرموز الدينية فى مواقع كثيرة، نذكر منها:
        "... الأغصان الجافة التى تأخذ شكل قباب خشبية ذات تناسق غريب..."، ص95 فى إشارة إلى قباب الكنائس والمساجد.
    فى وصف الرجل الذى يدعو إلى المساواة والعدل، ويدافع عن الضعفاء والفقراء ص98 "... تخالط قامته هالة شهباء تلازمه كالظل أينما حل وارتحل..." فى إشارة إلى تلك السحابة التى كانت تظلل الرسول عليه الصلاة والسلام أينما حل أو ارتحل.
   فى وصف قدرات الشجرة العجيبة ص99 "... جعلت الضرير يبصر، تشفى المريض، وأن رضيعا نطق إلى جوار جذعها.... "، فى إشارة لبعض معجزات السيد المسيح عليه السلام.
    القصة فى مجملها تعبر عن العراق "أرض شبه مستطيلة"، وما مر به من تخريب وغزو همجى، وحكم ظالم... . ثم أن الشجرة قد أزهرت، "بعد حادث جلل "، فى إشارة رمزية للتخلص من حكم صدام حسين.
    ويمكن تعميم هذا الإسقاط على المنطقة العربية أيضا الآن، بعد ثورات الربيع العربى، وهو ما يعتبر استشرافا للمستقبل.

قصة "شجرة المدينة المقدسة"
    هى القصة الثالثة فى المجموعة، يستخدم فيها الكاتب تقنية المزج بين الحقيقة والخيال فى حبكة درامية، تعتمد على الموروث الشعبى الدينى للشيعة، وتتناص مع حكايات ألف ليلة.
    الحكاية عن شجرة مقدسة فى مدينة كربلاء، وفى يوم عاشوراء تبكى الشجرة دما "من هول ما فجعت به من أحداث"، فى إشارة لذكرى مقتل الحسين.
    يستخدم الكاتب تلك الأسطورة ويضفرها مع حكاية الرجل الذى قتله التعذيب البشع من زبانية الحاكم، ومرض ابنته الصغيرة حزنا عليه، مرضا فشل فى علاجه الأطباء... ويأتى لأمها طيف رجل صالح، ينصحها بالذهاب إلى حيث الشجرة المقدسة القادرة على شفاء ابنتها... ويتحقق لها ذلك فى نهاية القصة.

قصة "أوراق سرية من مذكرات فتاة شاب شابة"
    هى القصة الأولى فى المجموعة، ولقد كتب المؤلف بجوار عنوانها "قصة قصيرة"، رغم أنها تمتد على 26 صفحة، وهى أقرب إلى الرواية منها للقصة القصيرة.
  تحكى عن مأساة "التسفير" وهو طرد العراقيين الشيعة والأكراد من أصول إيرانية، إلى إيران، وإسقاط الجنسية العراقية عنهم، مع بدايات الحرب العراقية الإيرانية.
   تبدأ القصة بعنوان فرعى، "حدث ذلك فى نيسان 1980"، على لسان فتاة عراقية بالسنة الثانية بجامعة البصرة، وهى فى طريق بلدتهم بالجنوب، بعد سماعها لأخبار "تسفير" أسرتها.
   يستخدم الكاتب تقنيات تيار الوعى لسرد الحدث الأصلى، وهو مأساة تشتيت الأسر العراقية، مستعينا بالحوار الداخلى تارة، والحوار الخارجى بين شخصيات القصة، كما يستخدم تقنية الذكريات للعودة للماضى، مثل تذكر البطلة لحادثة موت أخيها الصغير فى بركة المياه، ثم قصة حب وزواج شقيقتها ـعلى مدار 12 صفحةـ، وكأنها قصص موازية للقصة الرئيسة، وإن كانت لا تدخل فى محور الأحداث.
   استخدم الكاتب فى تصاعد الحدث تقنية الحبكة الدرامية البوليسية، ونجح فى نقل تفاصيل المأساة إلى القارئ، وإن كان هناك بعض الإطالة فى الجمل الوصفية التى تجعل السرد أقرب للرواية.

قصة " قلعة الحاج سهراب "
     هى القصة الثانية فى المجموعة،  تقع أحداثها فى 18 صفحة، وتعتبر استكمالا للقصة الأولى -السابقة– مع انتقال الزمن إلى فترة احتلال العراق وسقوط حكم صدام حسين.
   تجنح القصة إلى المقال التاريخى، بالعودة للماضى السحيق وقت بناء القلعة، موضحا الظلم الذى وقع على العمال... ثم ازدهار القلعة وحديقتها، بعد شراء جد البطلة لها. ولقد استعان بشخصية جديدة لتحكى أسباب الدمار الذى لحق بالقلعة والحديقة، بسبب "تسفير" أصحابها الأكراد، واحتلال الجنود لها خلال الحرب العراقية الإيرانية، واستيلاء أحد أعوان النظام السابق على أراضيها.
    نجح الكاتب فى اعتبار القلعة رمزا للأسرة الكردية العراقية، والمقابلة ما بين التعمير فى وجودها، والتخريب بعد تهجيرها قسرا. موضحا بذكاء أدبى العلاقة الحميمة التى كانت تربط بين صاحب القلعة الكردى، ومحيطه الجغرافى من الشيعة فى الجنوب العراقى.

قصة "أصوات"
       هى القصة الأخيرة فى المجموعة، تقع فى 45 صفحة، وتعتبر الفصل الثالث –فى رأيي– لرواية عنوانها "قلعة الحاج سهراب" والتى تشتمل على القصص الأولى والثانية والخامسة من تلك المجموعة القصصية.
   تبدأ القصة بالصوت رقم "1"، فى حزيران 2004، على لسان الأب العراقى الذى سبق "تسفيره" قسرا، رغم هويته وجنسيته العراقية، ولم تشفع له عضويته فى الحزب الحاكم. والجديد هنا هو أن المتحدث بضمير المتكلم، هو جثمان هذا الأب الذى توفى فى المنفى، وحمل جثمانه ليدفن بالعراق بعد سقوط النظام.
    تتوالى الأصوات فى القصة على لسان زوجته، ثم ابنه، ثم ابنته... الذين لم يروه منذ تسفيره من 24 عاما. ولقد تمكن الكاتب من الغوص داخل أحاسيس تلك الأسرة التى عانت الكثير نتيجة "تسفير" الأب وسحب الجنسية العراقية منه، والرعب الذى عشش فى العراق  خلال فترة حكم صدام حسين.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق